الأربعاء، سبتمبر 20، 2006

من يكتب التاريخ الحديث؟!

من يكتب التاريخ الحديث؟!
عبدالمنعم الحسين الحياة - 20/09/06//

على رغم أن هذه هي الذكرى الخامسة لحادثة 11 سبتمبر... فإن التحليلات والاستنتاجات والتشكيك في مجمل الأحداث تتكرر كل عام، فتثار أسئلة من نوع: هل كانت أميركا تعلم؟ هل دبرت؟ هل خططت؟ هل هناك أطراف أخرى؟ وكلٌ يستدل باستدلالات وتاريخ سابق، وتصريحات من هنا وهناك. ويزداد الأمر بالمشاهد حيرة، إذا استخدم المتحدثون لقطات ومشاهد وصوراً وعروضاً حاسوبية. ومع أننا عايشنا الموقف والحدث، ومع أن الفضائيات كانت تنقل لنا في ذلك المساء بثاً مباشراً، ومشاهد تجعلنا كأننا في المكان نفسه من زوايا مختلفة، ومع أننا استمعنا بعد مدة لاعترافات أو احتفالات رجال القاعدة، والتسجيل المصور للقنابل البشرية الطائرة وهم يتحدثون عن بطولاتهم في تلك الغزوة... إلا أن النفخ لا يزال يتردد من المحللين منذ ذلك الحين حتى هذا الوقت، ولم تفلح الأفلام الوثائقية من شاكلة «فهرنهايت» وغيره في إقناع المشاهد، إلا بما تمليه العاطفة المسبقة على المشاهد: إما نظرية المؤامرة أو نظرية الغزوة، ولا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار.
إذاً، الحقيقة أمر واحد فقط، إما القاعدة أو الأميركان، وأغرب من ذلك ربط السبب بطريقة معقدة غير منطقية، وهي اتفاق خفي بين القاعدة وبوش، والدليل مرور أعوام عدة من دون القبض على المطلوب الأخطر في العالم «أسامة بن لادن»، ما يدل دلالة واضحة على أن الحكاية مجرد لعبة أو فيلم أميركي طويل المدى!
لا يهم كل الكلام السابق... فما أعنيه وأريد أن أقوله، هو صعوبة إحقاق الحق والتأكد التام من الحقيقة، على رغم كل الصحف والشبكات والفضائيات ووكالات الأنباء العالمية، التي ترشقنا بأخبارها المشكوك فيها، حتى ولو كانت مصورة، فلعبة التحيز والحياد المفقود شتتت أفكار المتلقين وزادتهم حيرة، والمتابع لتلك الأخبار والتحليلات يجد نفسه كمن يشرب من ماء البحر المالح، كلما تابع واستمع وشاهد... تاهت عيناه وغابت الحقيقة أكثر، وغاصت قدماه وتشتت فكره وعقله، خصوصاً إذا كان من المشتركين في الرسائل الإخبارية على الجوال، أو من المبحرين في أغوار الانترنت وساحاتها، لأنه بعد كل ذلك سيرى، لكن سيرى سراباً لا حقيقة قطعية.
إذا كانت هذه الحال مع الأحداث التي عايشناها ونعايشها فكيف يراد لنا أن نصدق أحداثاً دونها أناس ومؤرخون، لا يملكون معشار معشار ما نملك من أدوات ووكالات، وكل أدواتهم «حدثنا وقال وأخبرنا»، وآفة الأخبار رواتها... نحتاج إلى مراجعة حقيقية لمسلمات تاريخية، هل حصل هذا أم لم يحصل؟ وربما بان لنا في بعض الأحداث التاريخية التشكيك والطعن، مثل حادثة تحريق طارق بن زياد (توفي 102هـ) السفن في حرب فتح الأندلس، ومقولته الشهيرة: «أيّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدوّ من أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر»، فبعض المحللين يطعن في تلك الحادثة، ويقول: هل يعقل لقائد عاقل أن يصنع بجيشه تلك الخسارة، لا لشيء إلا بسبب حفز جنوده على الاندفاع والقتال بقوة؟!
ذلك المشهد ومثله مشاهد كثيرة، تضعف القيمة الحقيقية للتاريخ وأحداثه المشكوك فيها وغير الثابتة وغير المحققة من أساطين المحققين وعلماء العصر الحديث، الذين تجرأوا على التنقيب في أحداث التاريخ، ليبينوا عوار تلك الروايات. نعم نحن شهود على الحدث، وشهود «شفنا حاجة»، ولكن بطريقة «شاهد ما شفش حاجة»، فنحن لا نعلم الحقيقة، ولا ندري من سيكتب التاريخ الحديث؟!

لقراءة المقالة على موقع الجريدة :http://www.daralhayat.com/arab_news/gulf_news/09-2006/Article-20060920-ca4b7e06-c0a8-10ed-01b6-e33822374d76/story.html