السبت، سبتمبر 02، 2006

التدريب الخنفشاري

التدريب «الخنفشاري»

عبدالمنعم الحسين الحياة - 02/09/06//

نشرت في جريدة الحياة عدد يوم السبت 2-9-2006م
ويمكن قراءتها على الرابط التالي :
http://www.daralhayat.com/arab_news/gulf_news/09-2006/Article-20060902-6d8395be-c0a8-10ed-0044-a0130aa42a6b/story.html

ينادي الجميع بالتطوير والتحسين، خصوصاً في مجال القوى البشرية وتنمية الموارد البشرية. ويشكو كل مدير دائرة من ضعف المهارات التي يتمتع بها المتقدمون للوظائف، بل يشكو أكثر من مهارات موظفيه وقدراتهم على إنجاز الأعمال المناطة بهم، وإمكان أن يتعلموا مهارات جديدة، تطور العمل أو تسرع من آلياته.
وعلى رغم إيمان الجميع بأن الوسيلة الأنجع لتحقيق التطوير المنشود هي التدريب والتدريب الموجه لفئة معينة وبطريقة معينة وبشيء معين يحقق الأهداف المعينة - ووفق الإحصاءات الأخيرة لسوق التدريب في الوطن العربي بالمقارنة بشعوب العالم - فإن بعض المعلومات التقريبية غير الدقيقة تقول إن نصيب المواطن العربي من التدريب معدل يومين في العام، بينما يبلغ متوسط تدريب الفرد الياباني 38 يوماً في العام، ولا تزال ماليزيا (أحد النمور السبعة) تسعى لتحقيق هدفها لتكون قبلة في التعليم العالي المميز والتدريب.
وسط هذا التوجه وهذه الحاجة التي نحن مقتنعون بها، أصبحت الوزارات والمؤسسات الحكومية تتوجه للتدريب، تزامناً مع إيقاع الشركات والقطاع الخاص، حتى بلغت موازنة التدريب في وزارة التربية والتعليم لأحد الأعوام السابقة أكثر من 200 مليون ريال سعودي، تنفق على أدوات وتجهيزات ومكافآت وعقود التدريب ناهيك عن رواتب موظفي وموظفات إدارات التدريب غير المحسوبة في موازنة وتكاليف التدريب كمنتج نهائي.
السؤال الجريء والحاد: هل أتى التدريب بما يصبو إليه المسؤول؟ وهل سهّل التدريب بالفعل الحصول على مهارات متقدمة لدى المتدربين والمتدربات؟ وإن حدثت استفادة فكم هي النسبة؟ وهل يقدم التدريب مهارات يحتاجها المتدرب أم هو مجرد تدريب «خنفشاري»، عبارة عن محاضرات ثقافية وألعاب و»فشة خلق» وتسويق لكتب وأشرطة وبرامج «المدرب» بل وبيع مباشر أحياناً، وضحك على الذقون، وفي النهاية الحصول على شهادة اجتياز دورات عائدها على المتدرب ميدانياً ضعيف، وربما أكثر من ضعيف، نظراً لخسارة ساعات الموظف المتدرب التي هدرت من وقته الإنتاجي وحصوله على مكافأة التدريب التي يحصل عليها بشكل مباشر أو غير مباشر كانتدابات وتذاكر وسكنى.
ومع ذلك السؤال، سؤال أكثر تحديداً: هل ساعات التدريب المقترحة من المدرب مناسبة أم فيها تمطيط «ولت وعجن» لتحقيق مبالغ مالية أعلى؟!
المصيبة أن هناك نوعاً أرعن في قياس تلك البرامج التدريبية مثل المجاملات ومثل الخداع والطنطنة التسويقية والإعلامية لبعض المدربين المهرجين، الذين يواصلون عروض السيرك التدريبية أو عروض الحفلات المسرحية الكوميدية رقصاً ولعباً وابتكار كل شيء مجنون، يتحرك معه المتدرب أو المتدربة بانسجام تام مع طلبات المدرب على كونه تدريباً يجوز فيه كل شيء بلا حدود!
أكثر ما أضحكني حضرت دورة تدريبية يعد فيها المدرب الحضور والحاضرات بالانبساط!
إن فساد العملية «التصليحية» والتحسينية (التدريب) أشبه ما يكون بفيروس تدميري يخرب برامج الحاسب، ويعطل الجهاز ويخل بالنظام ويصيب الناس بخيبة أمل، إذ إن الجراثيم تسربت للدواء!
ومن المشكلات أننا نحكم على البرنامج فقط من خلال شهادات «المبسوطين» و «المبسوطات» من المتدربين والمتدربات، فنحتاج لنحكم على تدريب ما بأنه ناجح أم لا؟ فنعيد مقاييس الأحكام لا أن نقدم تدريب ما يطلبه المشاهدون وكأنه فيلم السهرة. فالمتدرب هنا كالمتفرج الذي سيصفق لأي شيء مثير، تدريباً كان أم كان «هيلا بيلا»!
ويؤسفني كذلك أن يأخذ التدريب شكل السياحة من غير ضرورة، فيذهب المتدربون هنا وهناك لدول معينة لأخذ دورات تدريبية ويكبدون موازنة التدريب مبالغ ليست مصاريف تدريب جاد وإنما هي مصاريف سياحة تسربت من موازنة التدريب.