الأربعاء، سبتمبر 03، 2008

اطمرها

اطمرها     نشرت في جريدة الحياة 3-9-2008        ( النص كامل بدون حذف ) 
على أثير صوت الإذاعة مع لهيب حرارة الشمس وأنا أركن السيارة وأستمع لإجابات فضيلة الشيخ ضيف البرنامج الذي استضافه راديو إم بي سي في برنامج خاص بتفسير الرؤى والأحلام والاستفسارات تنهمر على البرنامج حول رؤى وأحلام والشيخ الفاضل يجيب إجابات سريعة واثقة وكأنه يجيب عن مسألة فقهية ، شدتني الطريقة التي يجيب فيها عن الأسئلة فضيلته وقضية اختياراته لبعض الاستفسارات بالإجابة وأسئلة أخرى يتجاوزها ويطلب من المذيع أن يتركها بلازمة لغوية خاصة به : اطمرها ، وهو تعبير خاص به تميز بهذا الاستخدام ، ويقول : إن هذه الاستفسارات هي عبارة عن أضغاث أحلام ، أو أنها حديث نفس ، أو أنها استهزاءات من بعض المستمعين فيرسلون عبر رسائل SMS استفساراتهم ليختبروا فضيلة الشيخ ، نحن كمستمعين لا ندري عن حقيقة تلك الاستفسارات هل هي بالفعل غير قابلة للتفسير أم أنها لا يعرف فضيلته أن يقول فيها شيئا وأن يعبّرها وأن يفك رموزها الغامضة أو أنها بالفعل كما ذهب الشيخ في رأيه بأنها مشاكسات مستمعين ومستمعات ، والعجيب أن المذيع مستسلم تماما لاختيارات الشيخ وكل دوره مواصلة استجداء المستمعين ببعث رؤاهم ، ما المانع ؟ إذا كان البرنامج سوف يأتي بأرباح على الإذاعة ، وفي مقطع آخر من مقاطع البرنامج تصل الحالة بالشيخ إلى الغضب من الأسئلة إلى أن يهدد المستمعين بأنه سوف يقوم بتعبير الرؤيا وأنها ستقع على رأس المرسل !! ، واستشهد بحديث يبني عليه أكثر المفسرين تحليلاتهم وهو أن الرؤيا على رجل طائر فإذا عُبّرت وقعت ، ولعل بعض الدارسين والمهتمين بعلم الرؤى ردّوا هذا المعنى أو الحديث ربما وقالوا لا صحة لهذا المعنى وأيضا الرؤيا لأول معبّر وأنها في حال عبّرت خطأ بشيء فيه ضرر فإنها تقع ! لو كان ذلك كذلك لمنع الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة من أن يفسروا رؤيا قبله لكن تفسير الصحابة رضوان الله تعالى عنهم وربما أخطأوا دليل على أن الموضوع فيه سعة وأن الخطأ في تعبير الرؤيا لا تقع به كارثة .
ويح قلبي كيف تكون الأمور بهذه البساطة وكيف يراد لنا أن نصدّق ذلك وكيف يسوّق لنا مثل هذه الكلمات ... بعض المفسرين يقدم هذه الخدمة خدمة التفسير للرؤى والأحلام عن طريق شركات Audio Text أرقام السبعمائة وأنها بالتأكيد كما البرنامج ستلاقي رواجا وقبولا كبيرين لهذه الخدمة التي بطبيعة الناس يتعلقون بالغيبات والحديث عنها ،
لا ننكر أن الرؤى كما ورد في بعض النصوص أنها جزء من سبعين جزءا من النبوّة ، لكن من الذي جعل مجموعة ما تحتكر حق التأويل وتحرّم على الآخرين الحديث في تعبير الرؤى خاصة وأن الموضوع ظنّي غير قطعي الثبوت وأن ما يقال من أي من كان كله توقعات ليست بنبعٍ إذا عدّت ولا غربِ وأن هذه التعليقات أمور ظنية لا أحد يقطع بما فيها إلا الرسول صلى الله عليه وسلم بحكم أنه يوحى إليه ، ثقافة التعلق بالأحلام والرؤى وتبني برامج تخاطب الجماهير بهذه الصورة هو نوع تكريس لنشر ثقافة قشور الدين أو المسكّنات التي تساعد على نوم الشعوب وتأخرها وارتكانها للأحلام والرؤى في تحقيق انتصارات ومكاسب فردية أو جماعية .
أتساءل ما الفرق بين تسويق برامج التحليلات النفسية البعيدة في الروحانيات أو العمليات الحسابية الشبيهة بالسحر والشعوذة التي تنادى العلماء لمحاربتها مع طريقة هذه البرامج فكلها تبيع الوهم على اختلاف درجاته وتسوق بضاعة مزجاة ثبت كثيرا بأمهر وأشهر مدّعي التفسير أن كثيرا من تحليلاتهم وتفسيراتهم المتعلقة بمصير الأمة أنها لا حقيقة لها .
والعجب في هذه الحال المتردية من ضعف وتراجع ميزان الأمة الإسلامية في القوى العالمية أن تنتشر مثل هذه البرامج في حال نحن محتاجون لانتشالنا من واقع الجهل إلى عالم المعرفة والصناعة والتقنيات .
حديث الرؤى والأحلام حديث لا نهاية له وأكثر من يهتم به الفارغون الذين لا صنعة لهم أو المهزومون الذين يتعلقون بأي تسلية تحمل لهم حلولا لمشكلاتهم وتسلّيهم يقول أحد الشعراء عن المساجين بفراغهم وهمومهم والأمل الذي يداعب مخيلتهم بالخروج من السجن :
ونفرح بالرؤيا فجل حديثنا إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا
والنساء أكثر من الرجال احتفالا واهتماما بالرؤى وطلبا لتفسيرها ، وينبغي لنا أن نعيش مع الرؤى والأحلام موقفا وسطيا يناسب وسطية هذه الأمة فلا نحن بالذين نردها ولا نحن بالذين نقدسها ونضخم جانبها لنكون جيلا من الحالمين المتسكعين على أبواب وأرقام ومواقع وبرامج التفاسير ليكون كل همهم أن يناموا أكثر مما ناموا ليروا في مناماتهم أحلاما ورؤى ليتجهوا مباشرة للبحث عن تفاسير وتعابير لها مجانا أو بمقابل .
مرة أخرى أعود لأضع تساؤلا ظريفا: لماذا لم يعرف عن علماء كبار جهابذة شهدت الأمة لهم بالفضل التوجه للرؤى والأحلام كمنهجية عمل واحتفال واهتمام ولم نعرف عنهم أنهم يعبرون أو كذلك أنهم يرحبون بتعبير الرؤى والأحلام ، لماذا؟! هل من جواب ؟
أنادي بأن تقوم القناة بمسؤوليتها نحو المجتمع وتعيد اختيارات برامجها على نحو بنائي تربوي علمي و( تطمر ) برامج تفسير الأحلام والرؤى .