الثلاثاء، أغسطس 26، 2008

اللهاية والبرميل

اللهّاية... و«البرميل»
النص الكامل للمقالة بدون حذف
عبدالمنعم الحسين الحياة - 26/08/08//
تذكرت كتابة قديمة للكاتب الكبير عبدالله باجبير تناول فيها مشكلة الاتجاه الحاد من الفتيات نحو النحافة وبرامج الحمية والرياضة والتنافس في مشابهة تماثيل عارضات الأزياء النحيفات جدا ، فكلامه عن الذائقة العربية أو ذوق العربي في اختيار فتاة أحلامه كزوجة وهو اختيار الفتاة الممتلئة وأن الفتاة النحيفة - حتى لو كانت جميلة - فستكون بالنسبة للعربي مثل اللهاية في فم الرضيع تسكته وتسليه لكنها أبدا لا تشبعه !
حديث الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أيضا كان يصب في ذات المصب بأنّ فتاة المودل التي تعرض حاليا في قنوات العروض والأزياء لا تلفت العربي وأن العربي القح لا يزال يحبّذ ريانة العود ويتغنى بجمال الهيفاء وعدد في أوصافها وأشعار كثيرة مبالغ فيها وصف سمنة الفتاة وامتلائها حتى أن بعضهم يقول : إنها لا تستطيع القيام إذا جلست وتحتاج إلى مساعدين ومساعدات لرفعها من مكانها وأنها نؤوم الضحى ومن تلك الأشعار والأوصاف أنقل لكم هذا الوصف العجيب :
أبت الرّوادف والثُّدي لقمصها مس البطون وأن يمسن ظهورا
عجيب صورة متخيلة مبالغة عالية من الشاعر لتلك الحالة المستعصية ،
بالتأكيد الشاعر المغرم بالمتينات لا يعني أبدا البراميل التي نشاهدها لا تكاد تستطيع أن تسير مسافة مترين إلا وتلهث من التعب أجهدها النوم المتواصل والاتكاء المستمر على الفرش والأثاث المنعّم والانتقال على مقاعد السيارات الفارهة ومواصلة إدخال الطعام الدسم وخلطه بالحلو ورش لا ينقطع بالعصائر والمشروبات الغازية والمأكولات الخفيفة ، حتى غدت السمنة سمة خاصة بالمرأة السعودية وصورة ذهنية عنها قدرت بعض الدراسات بأن سمنة النساء في السعودية وصلت إلى نسبة 60% ، وكثير من أسباب تلك السمنة هي رغبة الأزواج بالفعل في امتلاء الزوجات والحصول على المرأة العيطل ( الممتلئة المكتنزة شحما ذات الأرداف الكبيرة والجسم الضخم )
في موريتانيا تدخل الفتاة الراغبة في الزواج برنامج تسمين قاس جدا على يد متمرسة قديرة وخبيرة في أغذية السمنة المتشبعة بالنشويات والزيوت والشحوم والبيض وكل الأغذية ذات السعرات الحرارية العالية في عادة وممارسة تدعى عندهم بالتبلاح ومع انتشار الوعي ربما تكون هذه الظاهرة انحسرت قليلا لكن ظهرت مكانها عند الطرف المحافظ على التسمين مشاريع جديدة مثل التسمين بالهرمونات والأبر .
الآن نحن نجني ثمارا عفنة لمثل تلك الأفكار وتلك النظرة وتلك الذائقة أمراضا مزمنة ومعقدة على أولادنا عموما وليس الفتيات منهن خاصة بل اختلال الوزن واضح بين نحافة مفرطة وسمنة كبيرة ، والذي يدلك على هذه هو كثرة إعلانات أجهزة وأدوية وعمليات التخسيس التي صارت تتكسب على هؤلاء الثقلاء ، وغالبها علاجات وأدوية غير حقيقية لا تعود بكثير فائدة على الواقعين في براثن السمنة ، فهي أمور غريبة من مراهم ودهانات وأحزمة وأحيانا شاي وروائح عطرية تقلل من شراهة تناول الأطعمة وغيرها من العلاجات المشكوك فيها .
أمراض السمنة غير متناهية من السكر إلى آلام الركب وآلام الظهر والكلسترول واعتلالات القلب ... حكاية طويلة مرهقة جدا للسمين أو السمينة ولأسرهما وأيضا لميزانية الدولة التي لا زالت ملتزمة بتقديم العلاج المجاني للمواطنين حيث لا يزال مشروع التأمين الصحي على الجميع مثل بيض الصّعو الذي نسمع به ولا نراه ، ولا ندري لو طبّق ما مدى جدواه أيضا !!
(كيت وينسلت) بطلة فلم تايتنك الممثلة البريطانية المشهورة منعت دخول مجلات الأزياء التي تظهر فيها فتيات المودل النحيفات جدا إلى منزلها ، خشية على ابنتيها من التأثر بمناظر أولئك فيجارونهن في استهداف أوزان الريشة فربما تسببن بأضرار عالية جدا لأجسادهن وربما على حياتهن ، هذه الصورة المزعجة كذلك في طرف موضوع السمنة والنحافة حيث ترد على بعض الفتيات الافتتان بالموضة وأزياء الموضة التي لا تتوفر حتى مقاسات منها إلا للأوزان النحيفة للغاية وهو ما لا يتوفر إلا للرشيقات جدا وبالتالي وقعن فريسة برامج التخسيس والحمية الزائدة فتكونت عندنا أشكال من الفتيات ذات مناظر مقززة أشبه ما تكون بمناظر خيال المآته فهي مصفرة ذهبت نضارتها وصفاء لونها وأبدلت شحوبا وذبولا انسحبت به روح الحياة .
فهناك تطرف من نوع آخر وهو تطرف النحافة الزائدة في مقابل السمنة العالية وكأنها ردة الفعل العكسية وهذا مرفوض وغير مقبول لا دينيا ولا صحيا ولا حتى في أعراف وأذواق الشباب فهي بالفعل غير قادرة في بنيتها على تحمل أعمال المنزل ولا أعمال الحمل والولادة والتربية فالتوسط مطلوب وكما قال الأول :
فسامح ولا تستوف حقك كاملا وأبق فلم يستقص قطّ كريم
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
الثقافة والوعي وانتشار الرياضة وإدخال الرياضة المدرسية في مدارس البنات بما يتفق مع الشريعة الإسلامية وعادات وأعراف البلد سيساعد في تعديل الاتجاه الصحي الإيجابي في المجتمع وربما هناك دور أكبر تلعبه الصحة المدرسية وجهود التثقيف الصحي الذي يفترض أن يقدم بشكل أفضل خاصة وأن الوقاية خير من العلاج وأن ما نوفره من ميزانية التثقيف والتوعية نخسر أضعافه بناء مستشفيات ومصاريف عمليات وأدوية .
سعدت بخبر جوال الصحة الذي أطلق مؤخرا لكن للأسف أنه جوال تجاري بقنواته كلها يقتطع 12 ريالا شهريا من المشتركين فيه حيث لم يُستثن كمشروع توعوي وطني يفترض ألا تزيد التكلفة فيه على المشتركين عن قيمة 4 ريالات حتى لو قلّت الرسائل في عددها في مقابل نشر الوعي ، فقليل دائم خير من كثير منقطع أو لم ينتشر ، أيضا قناة صحة الفضائية ، أيضا هيئة الغذاء والدواء ... ما يعني جهود طيبة مباركة بإذن الله تساهم في تحقيق الوسطية في الأحجام بين البراميل واللّهايات .