الأربعاء، سبتمبر 10، 2008

تذهب الحلول ويبقى التسول!

تذهب الحلول ويبقى التسول
جريدة الحياة 9-9-2008

أبو خالد الشيخ عبدالله إمام أحد المساجد كتب لي مشكورا يطلب مني الكتابة حول ظاهرة التسول وانتشارها وكثرة المتسولين الذين يطرقون المساجد بالذات وحولها والإشارات الضوئية ويستعطفون الناس بالأطفال والعاهات والملابس الممزقة ،

وزارة الداخلية تدخلت في معالجة الملف المزعج غير الحضاري والمتنامي حولنا بدرجة مؤرقة لحد كبير وكذلك وزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية وتبادلت رمي كرة التسول بينها وكلها للأسف لم توقف الزحف الكبير الذي يعمل به المتسولون والمتسولات وحيلهم الكبيرة التي لا تنتهي في تطوير هذه المهنة القديمة .

دراسة قديمة في جدة أثبتت أن دخل المتسول الواحد يفوق في الأشهر العادية الأربعة آلاف ريال ! وهو ما يتفوق على كثير من رواتب موظفي الدولة .

هل أصبحت مهنة التسول وظيفة رسمية محترمة ذات مدخول جيد إلى درجة تفوقها على كثير من سلم رواتب القطاع الخاص والحكومي ، الأبحاث والأمن أكدّتا على وجود تنظيم أو ما يسمى عصابات تعمل بشكل مرتب ومنظم وأن ما نشاهده من متسولين حولنا الحقيقة الكبيرة أنهم بينهم تنسيق وتكتيك معين في توزيع المواقع وربما هناك أماكن احتكارية وربما بعض المواقع خاصة ومحمية ومحتكرة وعليها تأمين ولأجل دخول أحد في مربع الآخر يلزم منه أحيانا دفع مقابل أو خلو رجل ، وقد نشرت الصحف مرارا أخبار مشاجرات بين متسولين وأحيانا تتبع لأحد المتسولين حتى تجده يركب سيارة ليموزين تنقله لمكانه ، وقد تتبعت شخصيا ذات مرة إحدى المتسولات فإذا بها تتحرك نحو المسجد الآخر ثم تتجمع عدة نسوة من المتسولات ثم ينتظرن صاحب سيارة ينقلهن جميعا وينزلهن عن بيت معقول لا يبدو عليه كثيرا من مظاهر الاحتياج .

وقد حدثني أحدهم أنه تتبع واحدة من المتسولات ثم إذا بها تنتظر صاحب سيارة من نوع كامري آخر مودل ليقلها ، يعني بالفعل هناك تظيم ... هناك ترتيبات ...عملية التسول لم تعد فوضوية بل هي منظمة ومخطط لها وتخضع لنواميس وقوانين معينة تحقق لهم مكاسب جيدة ، وقد تناولت الملهاة التي قدمها عادل إمام قديما في فيلم "المتسول" شيئا كثيرا من الفكاهة الحقيقية التي يعمل بها هؤلاء اللصوص المحترفون ... أقول لصوص لأنهم يسرقون تعب الناس باستدرار عاطفتهم وحملهم لأن يقدموا أموالهم وزكاتهم نحوهم وهم غالبا لا يستحقون ولكن الناس يقدمون لهم أعطياتهم لأسباب كثيرة منها عصر السرعة ثم الشحن العاطفي حسب المواقف اليومية التي يمر بها الإنسان ، وكذلك الكسل عن الوصول للفقراء الحقيقيين والتأكد من حالتهم وأخيرا التكاسل عن الوصول للمؤسسات الخيرية لتقديم المساعدات والأموال من خلالها ربما هناك أسباب أخرى

استخدام العاطفة والصكوك ووصفات الأدوية وتزكيات أئمة المساجد وعقود الإيجار ومطالبات السداد وفواتير الكهرباء بالذات ... كل ذلك وسائل وطرق يعتمد عليها المتسولون لكسب مزيد من المال وللأسف أن هذه الحيل تنطلي على كثير من الناس .

خاصة حيلة الفاتورة التي هي موضة موسم الصيف وأكثر ما يرهق المحتالين هو أخذ الفاتورة منهم بغرض سدادها حيث إنهم يفضلون النقد أو أنك تبادر بكل نخوة وتأخذ وصفة الدواء لتذهب نحو الصيدلية لتشتري الدواء المهم جدا والذي لم توفره الدولة مشكورة على جهودها واحتاج معه ذلك المتسول ليشتريه حيث فوجئ أحد المتبرعين الكرام حين ذهب للصيدلية بأنه وجد أن الدواء المكتوب في الوصفة ما هو إلا حبوب منع الحمل وليس كما زعم حامل الوصفة من أنه دواء مهم جدا للقلب أو غيره من العلل لكن حظ ذلك المتسول كان سيئا في الوقوع في مواجهة مع متبرع- نوعا ما- فطن ولا يحبذ دفع الأموال النقدية .

ومن المواقف الطريفة والمستجدة هي الاستجداء والاستعطاء بقيمة بطاقات شحن الهواتف المتحركة من أي أحد حتى بالاتصال الهاتفي من الفتيات على أي رقم عشوائي ثم استعطافه بشحن الجوال ببعث معلومات بطاقة شحن ليقوم المعتصم بكل نخوته ليشتري البطاقة المطلوبة ويقدم الشحن المطلوب .

وصول المتسولين والمتسولات نحو أبواب البيوت ليقرعوها أو أنهم يبحثون عن منزل مفتوح ليدخلوا عنوة من دون استئذان ليفاجؤوا أهل المنزل بدخول غريبة عليهم إلى وسط المنزل لتستجديهم بكلامها ولأجل ذلك الموقف تبادر المسكينة ربة البيت خوفا وعاطفة بتقديم كل ما هو ممكن لتلك الفقيرات المقتحمات حرمة المنزل . وهنا وقفة برجاء من أصحاب المنازل في شهر رمضان الكريم بالذات لا تتركوا باب المنزل مفتوحا فستعرضون أنفسكم لمهزلة الاقتحام التسولي

بعض تلك الأموال – والله تعالى أعلم – قد لا تكون أموال تذهب للسرقة وملء الجيوب فقط بل ربما تكوم معها أحيانا أضرارا خطيرة مثل المخدرات ومثل المسكرات ومثل الدعارة بل وحتى الإرهاب .

ومن الحيل التي يلجأ لها بعض المتسولين التي تنشط صيفا هي تسول الطرق الذي يطلب به صاحب السيارة ما يكمل به المشوار وأنه لا يريد أكثر من قيمة ملء خزان وقود السيارة ، ورغم أن الهدف واضح إلا أنه لا يدخل في الموضوع مباشرة بل يبدأ في السؤال عن الطريق أو معرفة أحد أو بأي حيلة أخرى ثم تفاجأ بأن صاحب هذه السيارة وربما تكون عائلته معه أنه يشحذ وكم مرات وقعنا في براثن هذا الأسلوب .

ينتهزون أي فرصة سانحة للخداع ويضعونك في ثوب المخدوع ولعل دخول فتيات بكامل أناقتهن نادي المتسولات أحدث الخدع التسولية فالمطلوب عزيزي القارئ مزيدا من الوعي وعدم تقديم أموالك خاصة زكاتك إلا للجهات الخيرية وعدم الاستجابة لنداءات التسول .