الأربعاء، يناير 31، 2007

رؤيتي في الجودة

رؤيتي في الجودة

الحياة - 31/01/07//

حضرت محاضرات عدة، وشهدت عدداً من الدورات والبرامج التدريبية، وقرأت كثيراً حول الجودة، وقمت بإعداد بحث حول معوقات تطبيق الجودة في المدارس، وزرت مركز الملك فهد للجودة (مسماه الجديد بعد أن كان بمسمى مركز الأمير محمد بن فهد للجودة). وأخيراً حضرت الملتقى الأول للجودة في التعليم الذي نظمته إدارة تربية وتعليم البنين بالأحساء 2007، وشخصياً حقيقة لست ضد مبادئها ولا تطبيقاتها ولا كلماتها ولا طنطناتها، لكن التوجه العام حول الجودة والاهتمام العالمي بها، هل يعني أنها الخيار الوحيد؟ كما عبر حسين القرشي أحد المتحدثين في ذلك اللقاء، تساؤل يتردد في ذهني ماذا عن الأنظمة الشبيهة مثل التميز المستمر أو بطاقة الأداء المتوازن أو التخطيط بالأهداف أو كايزن الياباني أو هابي الياباني كذلك... وغيرها من البرامج الإدارية التطويرية... إذا حصل وقدر لك حضور أي من فعاليات ومحاضرات المنادين للجودة فستلاحظ الحماسة التي ترتسم على وجوه الحضور والاستمتاع، لكن قبل أن ينتهي المحاضر تجد الحضور يسأل سؤالاً مكرراً: ما الجودة؟ وكيف نحققها؟ لتجد أن «ديمنغ» أبا الجودة عالمياً يجيب بكل بساطة: لا أدري ويطير الناس بذلك الجواب، إذ يشعرون أنهم هم ومن ينادي بالجودة متساوون في الجهل بعدم معرفة تلك التعويذة السحرية التي تعرف بالجودة ... غير ذلك يسألون كيف نطبقها ما أدواتها كيف ومتى وأين ومع من نبدأ؟ ويشعرون بكراهية الجودة حين لا يجدون أي تميز للمدرسة أو المصنع الذي حقق الجودة بشهادات عالمية أو محلية ليعيدوا السؤال الجريء: ما الفائدة من تطبيق الجودة إذن؟ و«ينطلق مع الخيل يا شقراء» ليس إمّعة واحدة ولكن إمّعات كثر يتحركون في الدعوة للجودة وتطبيقاتها، ليس قناعة بما فيها ولكن ركوباً للموجة ورغبة في الظهور في المحافل، وهؤلاء في ظني أكثر من أضر بالجودة وحقق إخفاقاً لها حيث الاستهلاك السيء للجودة وتشويه سمعتها بتولي زمام مناصبها من لا يفهمون فكرتها ومعناها وأكثر من ذلك سوءاً أن يتولى تقديم برامج تدريبية في الجودة وتطبيقاتها صنف من المدربين لا يعرفون الجودة أساساً وإنما هم في صنف الممارسة السلبية التي تنطق عن الهوى وعدم المعرفة وتأدية الواجب والتكسب فقط من مثل مدربين غير أكفاء وبرامج تدريبية ضعيفة يدخل المتدربون ويخرجون مثل الطرشان في الزفة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه والنائحة الثكلى ليست كالمستأجرة، وأسوأ منه استضافة شخصيات من الخارج ليست ذات خبرة ولا دراية ولا تجربة ولا معلومات لتتحدث عن الجودة وتزيد الطين بلّه.
أما المستهلك والمتلقي الذي يخلط بين الجودة والأيزو وأرقامها والشهادات المشتراة للمصانع والشركات والمؤسسات، ويرى سوء المنتج، فيقع عنده الخلط والتخبيط بين جودة العمليات الإدارية وبين مقاييس المواصفات النهائية للمنتج فيقع هناك التدمير النهائي لثقافة الجودة النوعية الشاملة. ومن الأصناف الذي أساءوا للجودة إساءة حادة هم فئة أتعبوا الناس وأرهقوهم وأذهبوا مقدراتهم في الإغراق في نشر ثقافة الجودة بنشرات ومطبوعات ويافطات ولافتات، وظلوا مدة طويلة في مكانهم يراوحون ويقدمون خدعة كبيرة للأجيال بأن الجودة ما هي إلا طنطنة، وبالعكس منها فئة أخرى إساءتها أخف بكثير وهي التوجه نحو تطبيق الجودة من دون أدنى تثقيف لها في محيطها ومسرحها والمستهدفين منها ما جعلهم كالمنبت الذي لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع. هموم الجودة وتطبيقاتها كثيرة لكن أحاول أن أستكمل بعض المفاصل فيها، وهي سوء الاختيار لفريق تطبيق الجودة في بعض المنشآت والمؤسسات أحياناً من الذين يقدمون خدماتهم في الجودة بحكم الوظيفة وليس حباً وقناعة فيها، فتجدهم في اللقاءات الخاصة في ما بينهم يذمون ويشتمون الجودة ومن أتى بها، الأمر الذي ينشر بين المجتمع صورة سيئة عن الجودة يصعب علاجها ويجعل منا كما البيت القائل:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

وبعد - عزيزي القارئ - فأملنا في اللجنة الوطنية للجودة أن تنبري بنشر ثقافة الجودة الصحيحة، وأن تحارب تلك الممارسات الشائنة، وأن تتبنى محبي الجودة وناشطيها، وأن ترفض الصنف الانتهازي المتكسب الذي يأتي على مكاسب الجودة ويدمرها كالسوسة الحمراء، وكذلك أن تجعل من الجوائز والتقدير لكل من يقدم تجربة وجهداً وعملاً يتسم بالجودة تقديراً يليق والجهد الذي بذله والفكر الصادق الذي قدّمه.