السبت، يناير 06، 2007

صدام المجرم .... أم الأضحية

صدّام ... المجرم أم الأضحية؟

عبدالمنعم الحسين الحياة - 06/01/07//

مشاعر متضاربة هزت كثيراً من أعدائه ومحبيه صبيحة عيد الأضحى المبارك. عيون متسمرة في شاشات التلفزة وهي تنقل خبر تنفيذ حكم الإعدام فيه وتتابع تعليقات وتقارير مطولة عن حياة صدّام وعن طريقة تنفيذ حكم الإعدام فيه.
ما بين مشاهد الرقص وتوزيع الحلوى وبين التنديد بأميركا والحكومة العراقية والصمت حول إعدام أحد زعماء العرب وأحد زوايا التاريخ الحديث وصُنّاعه. في تصوري بغضّ النّظر عن مذهب صدّام أو فكره أو أقوال علماء السنة أم الشيعة فيه، فهو تحول الآن بعد مشهد إعدامه إلى بطل عند الجميع، ناضل لأفكاره وثبت عليها حتى آخر رمق. لم يهتز ولم يتغير سواء كان ممسكاً بالسيجار الكوبي أم المسدس أم يقهقه ضاحكا أو تأتي صوره وهو يعوم في الماء أو مع الممثلين والممثلات أو تصريحاته الرنانة حين يزبد ويرعد ويهدد جيرانه أو إسرائيل، أو تهديده لأميركا وقادة أميركا وبالتحديد بوش الابن والأب.
صدّام فرض شخصيته وحضوره في كل الصور والمحافل، وأجبر العالم كله على أن يحسب له ألف حساب، حتى عندما أعدم. من كان يصدق أن سفاح حلبجة، أم زعيم فدائيي صدّام، أو قائد الحرس الجمهوري ذلك الجيش الأسطورة سيختبئ يوماً في حفرة. كان الكل يتوقع أن صدّام لن يحتمل منظر السقوط المدوي والانهزام السريع لقواته وقادته الذين فروا واختبأوا وتفرق من حوله، وعدم أمان خيانتهم التي تجلت في تعجيل سقوط بغداد. إنه سيحتمل كل تلك المناظر ويظل قيد الحياة ويفكر في الاختباء داخل العراق وفي حفرة! كانت الاحتمالات تذهب لهروبه أو مقتله أو أنه انتحر كما انتحر هتلر، وسيقتل نفسه ويتمثل الأثر المشهور: بيدي لا بيد عمرو أو بوش أو المالكي!
تلك الصدمة الكبيرة التي فاجأت الناس وجمعتهم أمام شاشات التلفزة حين بثت لقطات صدّام بعد القبض عليه، وبث تلك اللقطات المقصودة والطبيب - لا أدري طبيب بشري أم بيطري - يجري كشفه عليه، ويضرب على أذنيه ويضيء بمصباحه ظلمات فيه، وينظر في تلك العينين الزائغتين وتلك اللحية الكثة وشعر الرأس الطويل الأشيب المنسدل بفوضوية وأتربة.
لقد هزت تلك الصور الجميع نظراً إلى أن ما من شخص يحب أن يرى صدّام القوة في منظر الضعف. صدّام الكبرياء يكون بهذا الذل. صدّام طلع مرة أخرى في المحكمة وتم التأكد من شخصيته واستمع الناس مشدوهين لصوته وكلماته وتعليقاته وحديثه الممتلئ ثقة كما أن يكون تماماً قد ضمن العودة لقصوره و «هيلمانه» مرة أخرى بعد الخروج من المحكمة.
تلك المشاعر التي تلف بالناس وهم يستحضرون جرائمه وتهديداته ضد شعبه وجيرانه وأقربائه أو كما قال النّظّام أو الشاعر القرني:
أذاك صدّام أم هذا أبو لهب / تبّت يدا عصبةٍ حمّالة الحطب / يا قاتل المجد يا سفاك / ما برحت كفَّاك في دمنا عاثت بلا سبب / روعت يا مجرم التاريخ أمتنا /هِجْتَ الأرامل بل أفزعت كل صبي / يا هتلر الشرق إسرائيل رغت لها / وهبتها ونصبت الموت للعرب
لم ننس كل ذلك لكن أن ينفذ الحكم ويعدم وتختزل كل الأحكام والجرائم في جريمة واحدة في قتل 128 من الدجيل، وجرح مشاعر المسلمين في تنفيذ الحكم يوم عيد الأضحى ليكون صدّام المجرم في ثوب أضحية العيد! فأرادوا أن يهينوه ويقللوا قدره. لكن كما قالت العرب: أخطأت... الحفرة. صنعوا منه بطلاً تاريخياً وزادوا في نجوميته، لثباته وهدوئه وعدم تهيبه الموت والإعدام، وإمساكه بالمصحف وتلفظه بالشهادتين قبل مماته. في عقيدتنا التوبة الصادقة النصوح تجبّ ما قبلها، فلربما تاب فتاب الله عليه وكان في إعدامه قصاصاً منه. لا ندري فذاك في علم الله، لكن الأمر الذي شبه متأكدين منه هو الاستياء والمقت والكراهية الشديدة لكل المتقصدين في اختيار الطريقة واليوم لمقتل صدّام الأسطورة لجرح مشاعرنا فنقول: إن الرسالة وصلت والمعايدة قد بلغت، والمرسل معروف، ولنا الحق الكامل كمتلقين أن نجيب تلك التحية والمعايدة السيئة ولو بكلمة على الأقل

لقراءة المقالة من موقع الجريدة فضلا اضغط هنا .