الاثنين، يوليو 28، 2008

ما لها داع يا لميس


ما لها داعٍ يا «لميس»
عبدالمنعم الحسين جريدة الحياة - 28/07/08//
بسبب انشغالاتي فلا أحب أبداً الارتباط بمشاهدة المسلسلات كل المسلسلات لأني أرى أني سأضع قيداً على نفسي لمتابعة قصة طويلة وممتدّة ومحشوة بكثير من الأحداث التي ليس لها علاقة بالقصة الأساس التي وضعها المؤلف، ولذلك السبب فأنا أمتعض حتى من متابعة المسلسلات، على رغم أن صناعة المسلسلات تشهد فورة قوية خاصة مع قرب شهر رمضان من كل سنة، إذ تبدأ استعدادات هائلة بين شركات الإنتاج الفني والفضائيات لتقديم الجديد من هذه المسلسلات التي يقبل على متابعتها الناس، حتى أصبح لدينا فضائيات خاصة ببث المسلسلات خدمة 24 ساعة، وفي كل أيام الأسبوع،هناك قنوات مجانية، وقنوات أخرى مدفوعة، هذا الشره الحاد لمتابعة المسلسلات التلفزيونية جعل مؤسسات الإنتاج العربية تفشل في مواجهة الطلب مع تزايد عدد الفضائيات، إضافة إلى تولد أفكار تجارية جديدة مثل «العرض الأول» و«حصرياً» لمشاهدي قناة كذا، ما رفع من قيمة الاستثمار فيها وجعل أسعار الممثلين والممثلات تقفز لأرقام فلكية، وتتزايد عاماً بعد عام حتى بلغ أجر الممثلة نادية الجندي - مثلاً - قريباً من المليوني جنيه عن مسلسل واحد!
أزمة الطلب المتنامي على المسلسلات جعلت الفضائيات تبحث عن أفكار أخرى لتقديم دراما فنية بكلفة أقل، ما انتعشت معه المسلسلات الشامية، وانتعشت معها -أيضاً - صناعة المسلسلات المدبلجة، وأكثرها انتشاراً المسلسلات المكسيكية، وهذه السنة كانت المفاجأة الحادة هي مسلسلات الدراما التركية ذات الكلفة المنخفضة جداً حتى أن الحلقة الواحدة لا تزيد كلفتها بعد الدبلة على ثلاثة آلاف دولار ، وتمتد لحلقات كثيرة تصل 150 حلقة، ما جعل المسلسلات التركية المدبلجة تهز المجتمع وأساساته، وأظهرت الهشاشة الفكرية التي يحملها كثير من الناس شباناً وفتيات، لدرجة تأثرهم الحاد بشخصيات المسلسلات والأفكار التي تحويها، ونظرة سريعة للصحف والمقالات والأخبار وغرف المحادثات والمنتديات والمدونات، نلاحظ الكم الهائل من أخبار الحوادث الغريبة كنتاج لهذه المسلسل، فمن فتاة بحرينية تطلب تغيير اسم خطيبها، إلى مهند بحكم أن اسمها نور ، وترغب أن يكون زوجها على اسم بطل المسلسل التركي!
وخبر قيام أردني بضرب زوجته ضرباً مبرحاً كادت تهلك به لأنه ضبطها متلبسة بجرم مشاهدة المسلسل، حتى أن الوفود السياحية غيّرت وجهاتها نحو تركيا ... ما زاد من أعداد مشجعي منتخب تركيا في مباريات كأس أمم أوروبا، وزادت طلبات الراغبين في تعلم اللغة التركية لمشاهدة المسلسلات التركية بلغتها الأم، ما يعني لي باختصار كارثة أخلاقية اسمها المسلسلات التركية، التي جعلت من الفتيان والفتيات أسرى لشخصيات المسلسل، فللمرة الأولى يجري الحديث بكل جرأة من النساء والفتيات حول الإعجاب والغرام بأبطال المسلسل، فتتحدث إحدى المعلمات بأن الطالبات كل يوم يتحدثن بجرأة أكثر عن المسلسل وأبطاله ويتغزلن في وسامتهم بصورة عجيبة، والمعلمات بينهن متحسرات متأوّهات على حظهن العاثر الذي جعلهن لم يظفرن بغراميات مثل غراميات أبطال المسلسل!
وخلفيات الحواسيب والجوالات تحمل صور تي «مهند ونور».، نغمات الجوال، ورنات الانتظار بأغنية المسلسل، والخلفيات المختارة لمشاهد المسلسل!
مجلس الفتوى في سورية، وعلماء الأزهر في القاهرة، يفتون بعدم جواز الصلاة بملابس مهند ونور كونها مطبوعة على القمصان ، عدم الدخول في الصلاة وهم أو هن بتلك الملابس ويظهرن بها وبكل جرأة من غير ما حياء أو خجل، بل وتتبجح بمشاهدة المسلسل ومتابعته والتعليق عليه، ما دعاني للكتابة هنا عن صورة أحد الشباب المتأثر بأحداث المسلسل «سنوات الضياع»، والبطلة «لميس» بالمناسبة اسمها الحقيقي «توبا بيوك أستون»، فذلك الشاب من شدة تأثره كتب عبارة على الزجاجة الخلفية لسيارته الفارهة «ما لها داعي يا لميس» ويطوف بها في الأسواق والميادين في دعاية مجانية للمسلسل!
المشكلة في هذه المسلسلات تكمن في أنها من بيئة شبه عربية، والأتراك مسلمون، لكن الثقافة المقدمة هي ثقافة تقديس للمادة وثقافة الاستهلاك وتمرير أكبر لنمط الحياة الاجتماعية الغربية، فهي تنهج طريقة المسلسلات والأفلام الأجنبية نفسها التي تعرض على السينما أخيراً مثل: مسلسل «الجنس في المدينة»، فليست المشكلة في جمال ووسامة ولا مشاهد حميمية، بل في تكريس لثقافة الحب والعلاقات خارج إطار الزواج الشرعي، وأكثر من ذلك أن المتزوج أو المتزوجة منهم يكونان علاقات غرامية خاصة، وكأن الموضوع هدفه زيادة جرعة التطبيع للثقافة المادية الغربية، وتقبل مثل تلك الحياة الاجتماعية.
ولعل من المناسب أن يتنبه الأزواج لفكرة مهمة جداً عزف عليها المسلسل التركي «سنوات الضياع» بطريقة ماكرة، وهي عنصر الرومانسية العالية التي يتعامل بها أبطال المسلسل بشكل مبالغ فيه، إذ يقدم وجبة لحياة زوجية عاطفية تبدو شرعية، بينما هي وهمية و غير حقيقية، فتكشف الواقع السيئ الذي يتعامل به الأزواج مع زوجاتهم في فنون الرسائل القلبية والكلمات والتصرفات الذوقية،.. فالمرأة تحتاج أشياء أخرى أكثر وأهم من المال والملبس والمأكل والفسحة، ويجب أن يتعلم الأزواج ذلك حتى لو تطلب الموضوع دخولهم في دورات تدريبية تقدم حالياً عبر بعض المراكز المختصة مثل مراكز التنمية الأسرية.
ومن الطريف أنّ إحدى الزوجات في مدينة جُدة طلبت من زوجها أن يعاملها تماماً مثل البطل مهند أو يطلقها، فاختار الزوج الحل الأسهل وهو الطلاق!
أيضاً أدعو مراكز الرصد الاجتماعي لرصد الظاهرة وتتبعها وعدم دس الرؤوس في الرمال، فالمسلسلات أثّرت في المجتمع، ولا يمكن للمربين والمحافظين أن يكتفوا بدور المتفرج على السقوط من دون تقديم أي بديل ويتبع قاعدة أخف الضررين، والاكتفاء بالتحذير والخطب والمحاضرات والمؤلفات التي لم تجد نفعاً ملموساً في الواقع المشاهد!