الخميس، سبتمبر 24، 2015

يوم الخميس الباكي

نشرت في جريدة الحياة عدد 15636 تاريخ 26-12-1426

 نعم بكيت .. بكيت لخبر مصرع الحجيج بمنى أثناء رمي الجمرات لموسم الحج من هذا العام 1426هـ ، سبب بكائي ليس هو الموتى الذين سقطوا فحسب ، ولكن بكيت على تلك الجهود الضخمة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين في السعي لما كل ما فيه تيسير حج الملايين ومتابعة على أعلى المستويات لهذا الموسم وترقب له واحتفاء به ، كانت النتيجة قاسية سقوط هؤلاء المتدافعين صرعى دهسا في ميتة مرة جدا ، فليس أصعب من موت كبار السن والضعاف دهسا تحت الأقدام .. شخصيا حججت مرة واحدة فقط وأتردد كثيرا في تكرارها نظرا للزحام الكبير الواقع هناك ومشاهدتي لمخاطر التدافع هناك . عظّم الله أجور ذوي الموتى أينما كانوا .. وجبر مصاب حكومتنا في هذا الحادث الأليم، الذي نعلم كم يحز في خواطرهم وأنهم يتألمون شديد الألم لمرض أي ضيف من الحجاج عدا أن يتعرض للموت . هو قدر الله وما حدث ما هو إلا شاهد على جهل بعض الحجيج وغياب المعاني الإنسانية والحنو على بعضهم البعض وحضور القوة الجسمانية في دفع الضعاف من دون هوادة بحيث يسير الإنسان في موكب أشبه ما يكون بموج من البحر المتلاطم تشعر أن عظامك تكاد أن تتكسر مع قوة الضغط الحاصل من الدفع وأنت تردد ( ربّ سلّم سلّم ) وعبثا تحاول بالإشارة أو بالكلام بطلب الرحمة ممن حولك ، وتشفق أكثر على الصغار وكبار السن والنساء الملتحمين بالرجال ولم يعد هناك فرق فالكل ملتصق بالآخر (وأحضرت الأنفسُ الشح) فكلٌ نفسي نفسي ، والخلاصَ الخلاص ، وكلّ اللوحات الإرشادية بكافة اللغات والنداءات من حولك والإشارات والتوجيهات التي يبعث بها رجال الأمن المحيطين تتكسر أمام الموج الهادر من البشر الذين يُساقون سوقا بتدافع خطر جدا . ما وقع ، الله سمّاه في كتابه مصيبة ( وأصابتكم مصيبة الموت ) موت بالدهس لأكثر من ثلاثمائة وخمسين من الحجيج – نسأل الله أن يتقبلهم شهداء وأن يبعثهم ملبّين – ومصيبة أكبر أن يشمت فينا لا أقول العدا ولكن إخواننا وكأنّنا قصّرنا في شيء ، إن العناية بالحجيج ثقافة ومظهر وسلوك كل سعودي ، ناهيك عن الجهود العظيمة التي تبذلها حكومتنا الرشيدة ، تلك الشماتة من الذين يصطادون شاهدا لم ير شيئا ( شاهد ما شفش حاجة! ) لينقل شهادته على الحدث حديث الإفك وبرائحة عطر منشم¨ ، وبراويات متضاربة مقصدها واضح بيّن .. قُل .. اعترفْ ... انطُق وقلْ :إن هناك تقصيرا ، ليس مهما أن تعرف من هو المقصر ومتى ؟ أهم شيء انطق وقل :تقصير وتأخر وتباطؤ وعجز !. ربما كانت إشارتي لجهل الحجيج واضحة بيّنة ، ولن أتهم جنسية بعينها ، لكن بالفعل ما حدث لا تتحمله القوات الأمنية ولا الجهات التنظيمية .. ما حدث يتحمله العلماء الجامدون الذين تقاصرت جرأتهم على الاجتهاد في أمر ييسر على الأمة وعلى الحجيج حجهم ، إن كل حملة من الحملات يخرج معها عدد من المرشدين والوعّاظ .. هؤلاء المرشدون والوعّاظ في كل الحملات الداخلية والخارجية يجب أن يكونوا مختارين وبعناية من الجهات العلمية في البلد ويتم الاجتماع بهم وشرح خطط وزارة الحج لموسم الحج والمطلوب منهم ، لكي يتم التأكد من سلوكهم الفقهي في الفتاوى والتوجيهات بحيث لا يوجّهون الناس بتوجيهات تضيّق عليهم بل يكون في الحملات من يحمل الفقه العصري الميسر فقه الفهم بالقواعد الشرعية ،فقه المشقة تجلب التيسير، فقه المصالح العامة المرسلة ، فقه ليس بحكر على تقليد مذهب معين ، فقه لا يقتصر على مدرسة فقهية واحدة ، فقه لا يتخذ التورع والمسؤولية بطريقة عكسية تجعله يرى التيسير إخلالا ، فقه عالمي أكاديمي تنويري ينظر للأمور بحالة خاصة ( خصوصية الزمان والمكان والعبادة والعدد !) وبحاجة الأمة لمن يتصدر بالفتوى التي تحفظ للناس حجهم وأمنهم ولا يشذ بفتاوى تشددية ، ويستن بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله :" افعل ولا حرج " نحتاج فقهاء اختلطوا بالناس والعامة وسافروا وارتحلوا واطّلعوا على ثقافاتٍ متعددة ؛ أتساءل هل بالفعل عجزت الأمة والمجمع الفقهي عن التوسعة للناس في أمر الحج .. لماذا لا يزال في الحملات من يشدد على أن تخرج المرأة بنفسها للرمي ولا يجيز توكيلها لمحارمها في ذلك ؟ لماذا لا يزال في الحملات من يشدد على ضرورة حج المرأة مع محرم ؟ مما يزيد في الزحام ، لماذا ولماذا ولماذا ؟! يجب أن نرفع من مستوى ثقافة الحجاج في الداخل والخارج ونشترط على حجاج الخارج الحصول على دورات تأهيلية لحضور هذا الحدث وهذه العبادة ، ويكون مدار هذه الدورات على كيف تحج حجا ميسّرا آمنا ؟ وكيف تتصرف ؟ إن أيام الحج أيام عظيمة وحرمتها كبيرة ويجب أن نسخّر كافة عقول الأمة لبحث الحلول الممكنة للسعي لكل ما فيه راحة الحجيج وسلامتهم ، لا أن نكتفي بالبكاء . ¨ منشم اسم امرأة كانت عطارة بمكة تبيع الطيب وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا من طيبها