السبت، أبريل 19، 2008

مشائخ الغلاف


مشايخ الغلاف
لم تنشر في الصحف

في الثمانينات الميلادية فتحت عيني على المجلات التي تزين واجهات المحلات التجارية والمكتبات بطبعاتها الفاخرة وكانت جميعا تجمع على شكل واحد وطريقة إخراج واحدة وهي عبارة عن ورقة مصقولة بالألوان عليها قيل من الكتابات والعنوانات لأخبار الفن والفنانين والفنانات وأخبار المسلسلات والأفلام ، والجديد في مثل ذلك وستكون خبطة كبيرة لو كان هناك تعليق لفضيحة لواحد أو أخرى من إياهم أو إياهن وتزين كل غلاف من الأغلفة صورة فاتنة من إياهن بكامل مكياجها وزينتها وتسريحة شعرها وليس مهما أن تكون من المشهورات من الفنانات أو الممثلات أو أنها مغيبة مجهولة المهم في كل عدد تقدم صورة جديدة مختارة بعناية وكأن المجلة موجهة للذكور فقط وكأن المادة المنوعة المقروءة في المجلة لا يقبل الناس عليها للقراءة ذاتها وإنما لا بد لها من مقبلات وفواتح شهية بوضع صور احترافية على أغلفة المجلات ، أتذكر تماما أن هناك من كان يجمع تلك الأغلفة بل دخلت غرفة أحد المراهقين وكان جدارها مغطى تماما بصور مقتطعة من هدية العدد التي تكون لواحدة منهن بل وبعضهم يضع له ( ألبوم صور ) بالمناسبة التسمية العربية له مجموعة الصور .
هذا التعلق العالي بالمادة والصورة والجمال الحسي والتركيز على ثقافة الماديات وتكريسها ربما صرنا نجد أثره على الجيل الجديد من الشباب الذي يهاجم من جديد بمجموعة صور أكثر وبدقة أعلى وبجرأة لا حدود لها ويكون حال الشاب المتفكر في خلق الله كما هي حجة البعض المتفيقه والذي يوجه الالتزام بالمثل والتدين لما يريد وحسب هواه ولعل له شاهد من الشعر حيث يقول الأول :
تأمل في رياض الحسن وانظر جمالا صورته يد الإرادة
لن أكمل بقية الشعر لأن الشاعر ربما هو أيضا متأثر بثقافة الصور حيث انعطف بشعره لمستوى غير صالح للنشر ، ولعل في بعض أقوال الحنفية شيء مما يسمح لأولئك المفتونين بالصور لأن يأخذوا راحتهم على الآخر في التملي حيث من يرى أن صور المرأة غير الحقيقية مثل أن تكون في المرآة أو الكاميرا يجوز النظر لها بلا حدود لنظرة أولى أو مستدامة أو نظرة جريئة أو أقل ،عودة على ذي بدء في تلك المجلات التي كرست معاني الصورة وفتيات الغلاف التي كان بعض الدعاة يهاجمها بأنها مجلات ماسونية تهدف لإغواء الشباب وتضليلهم تماما مثل ما فعلوا في أواخر التسعينات حين هاجموا الفضائيات وفي كلا الحالين تمتعنا بمشاركة عدد منهم في المجلات ذوات الأغلفة الفاتنة ولا ندري نشتري المجلة لأن ( سين ) من المشايخ والدعاة يكتب فيها أم لصورة فتاة الغلاف الجميلة التي عليها ، مع الوقت ولله الحمد صارت عندنا مجلات هادفة وموجهة وتحمل قيم أعلى وصارت تسوق نفسها بظهور صورة الشيخ بالبشت على الغلاف وأصبح لدينا مشايخ أغلفة بل وصارت المجلات تلك تتفنن في اختيار صور غريبة للمشايخ ومن زوايا اختيارية خاصة مثل صورة الشيخ وهو فوق الخيل أو الشيخ وهو يقود سيارته الخاصة أو صورة الشيخ وهو يلعب الكرة وهكذا لا يوجد أحد أحسن من أحد ، جلست في الأسبوع الماضي مع الدكتور مالك الأحمد مؤسس عدد من المجلات الإسلامية كما يصطلح عليها فأكد في اطروحته التوجه نحو الصورة وثقافة الصورة .
صور المشايخ لم تعد تطل علينا في أغلفة المجلات كما تناولتها لكن أصبحت هناك ظاهرة جديدة مع سباق الفضائيات وهي بلوحات في الميادين والشوارع تحمل صور حضرات المشايخ للترويج لبرامج يقدمونها أولئك وبنفس طريقة المحاكاة المستنسخة لبرامج حوارية أو إلقائية لعدد من المذيعين ... أصبحت هناك برامج خاصة لشيخ معين متكررة لا يستضاف غيره فيها ... ولن أكرر كلمة أصبح سأقول أمسى نظرا لأن كثيرا من البرامج الدينية تغيرت لتقدم في المساء وفي الساعات المتأخرة من الليل وعلى الهواء مباشرة لن أستغرب أن يكون عندنا برامج سهرة مع الشيخ فلان لن أستغرب أن يكون عندنا برامج يحييها الشيخ فلان وبرامج يتحول فيها الشيخ إلى مذيع ويحمل البرنامج اسمه مباشرة من دون عنوان ذي دلالة غامضة لا تحمل اسمه بل أصبح لدينا قنوات فضائية كاملة خاصة بالشيخ فلان وستتكاثر هذه القنوات كتكريس للتأزم والتعلق والفكر الأحادي والانغلاق المنفتح والثقافة الحدية والاستغلال التجاري الخيري بعقود ذات أرقام فلكية وكله باسم الدعوة قابل للبيع والكسب والتكسب المفتوح .