الأربعاء، يوليو 18، 2007

أكثر الكتب مبيعا

أكثر الكتب مبيعا
نشرت في جريدة الحياة عدد يوم الاثنين 16-7-2007


تتحدث بعض الكتب الإدارية الحديثة التي تضخها دور النشر عن نظريات وأطروحات تكاد تتجه بنا للتقليل من جدواها وأثرها نظرا لكثرتها وتضاربها واستغراقها في التنظير الفكري البعيد عن التطبيق ، ويُذكر أن أحد المؤلفين العالمين في كتب الإدارة الحديثة المنتشرة هنا وهناك كانتشار أغاني أم كلثوم في السبعينات ، يقال أنه أعجب بمؤلفاته أحد رجال الأعمال فأراد أن يفوز بهذه الدجاجة التي تبيض ذهبا وتعاقد معه لإدارة مؤسسة خاصة من مؤسساته فكانت النتيجة مخية للآمال نظرا للمسافة الكبيرة بين النظرية والتطبيق والظروف والبيئات وغيرها ...

شخصيا لا أحب تقديس أي من الناس ولا تضخيمه ،كما لا أحب غمط الناس وهمزهم ولمزهم واحتقارهم أو أفكارهم والتعامل مع منتجاتهم الفكرية بشيء من الحدة العالية لدرجة التجاهل المتعمد ، وحبذا التوازن في كل شيء .. حتى في النظرة والتناول لهذه المنتجات الغربية التي يكتب عليها (بيع من هذا الكتاب كذا مليون نسخة )أو (أكثر الكتب مبيعا) وغيرها من الكلمات التي لم تعد تحدث كبير أثر في نفسية المتلقي والتأثير في اتخاذ قرار شراء الكتاب ، ومن الطريف أن تكون بعض هذه المؤلفات ليست مبنية على أبحاث وتجارب علمية وقياس علمي دقيق وتحليل نتائج يصل إلى توصيات وحقائق علمية حقيقية 100% ، فكثير منها عبارة عن نظرة تأملية في دراسة قفزة لشركة أو مؤسسة أو تميز عالٍ لأحد القياديين أو رجال الأعمال أو المسؤولين السياسين والعسكريين ، وباتت هذه المؤلفات تأخذ شكل التجارة والبيع والكسب مع افتقاد الجانب العلمي كما نوّهت سابقا عنها .. ولعلّ من المصائب - والمصائب جمة - ركوب بعض العربان الموجة نفسها وإغراق السوق والمكتبة العربية بكتب إدارية من هذا النوع عبارة عن قص ولزق وإنتاج مجموعة مرتزقة تجمع هذه المعلومات والترجمات من هنا وهناك ومن صفحات الانترنت ثم يوضع توقيع وصورة ساحرة للعبقري فلان الذي بالفعل صار يبيع لنا النصائح كما نصحت تلك القبّرة ذلك الصياد – القبرة :طير صغير – حيث قالت للصياد أطلقني وسأعطيك ثلاث حكم الأولى منها وأنا في يدك والثانية وأنا فوق الشجرة والثالثة وأنا أطير في السماء فوافق الصياد على العرض فقالت ( القبّرة): لا تندم على ما فات ، ثم طارت ووقعت على الشجرة وقالت : لا تصدق كل ما يقال ، ولما أرادت أن تطير قالت : يا أحمق كيف أطلقتني؟ إن في جوفي ذهبا كثيرا لو كان عندك كنت حزت مالا وفيرا ، فعض الصياد على أصابعه حزنا وكاد يبكي ثم قال لها هات الثالثة ، فقالت : كيف أعطيك الثالثة وأنت لم تعمل بأي من النصيحتين السابقتين !!

هذه القصة وأمثالها شبيهة بواقع بعض المفتونين بالكتب الإدارية والذين لازالوا ينهلون المزيد منها لكن دون الدخول في عملية التطبيق والاستغراق في الاستمتاع الأدبي والفني بالقصص والمواقف التي يوردها المؤلف من هنا وهناك .

والمصيبة أن يكون عندنا برامج تدريبية تقوم على اعتماد كتاب من هذه الكتب كمادة أساس للدورة التدريبية

عودة على ذي بدء :بعض الكتب الإدارية التي اطلعت عليها مؤخرا أو اطلعت على ملخصاتها تسوّق مادتها على طريقة هدم السابق واعتماد طريقة جديدة مطلقا ، بعضها يحاول التنظير في طريقة اترك كل شيء وابدأ بتجربة جديدة ، وبعضهم يخادع القارئ بعبارات دعائية من مثل تحوّل إلى مدير وقائد في ثلاث ساعات وكأن العملية طبخة مندي دجاج... ومن مثل هذه العنوانات التي غدت شكلا من أشكال المتاجرة بعقول الناس ما يحتاج معه القارئ أن يختار لعقله ما يغذيه به كما يختار لمعدته ما يغذيها به.