الجمعة، مارس 23، 2007

حوار السيقان

حوار السيقان

عبدالمنعم الحسين الحياة - 19/03/07//

أجرت إحدى القنوات الفضائية الأميركية استطلاعاً حول برنامج تقدمه مذيعة جميلة تُدعى «كيتي»، وعلى رغم الدعاوى والاتجاهات التي تصف مجتمع الأميركيين بالانفتاح والتطور، وعدم التجاوز الفكري، والنزول لمستويات تحت مكتب المذيعة مقدمة البرنامج، وأن مشاهد وصور النساء لابسات أو غير ذلك ليست قضية عندهم، وأن مجتمع المسلمين أو العربان هو الذي يعاني من أزمة النظرة الجنسية نحو المرأة فينصرفون عن الحديث وعن الأفكار وعن الجمل إلى تقويمهم للمذيعة التي تقدم البرنامج تقويماً حسياً، إلا أن ذلك الاستطلاع فضح المشاهدين الأميركيين الذين ذكروا في نتيجة الاستفتاء أن أكثر ما يشدهم في البرنامج هو منظر الساقين العاريتين الجميلتين، اللتين تركز عليهما الكاميرا أكثر من تركيزها على وجوه ضيوف البرنامج!
برنامج كيتي الحواري العجيب (أبو ساقين) حقق أعلى إيرادات إعلانات لبرنامج حواري في العام الماضي، إذ حصل على 600 مليون دولار، وأظن أنه أكثر من حصيلة إعلانات أقوى مجموعة قنوات فضائية عربية حالياً... وهذه النتيجة بينت كذب الدعاوى بأن المرأة والرجل من الممكن أن يتعايشا سلمياً بكثرة الاختلاط والتماس والتعود، إذ كان ينبغي أن تنتهي أو تقل عندهم «النظرة الحسية المشبوهة» من جانب كل منهما، خصوصاً في الأوساط الإعلامية التي يتطلب العمل فيها أحياناً ملابس غرف النوم أو أصواتها مثل الإعلانات والبرامج، أما أغاني الفيديو كليب، فتلك قصة أخرى كبيرة لا ندري أين تنتهي! أعود لمفاجأة برنامج كيتي، إذ إنها في برنامج إخباري وليست في برنامج ترفيهي، هذا التوجه نحو الأخبار والبرامج الحوارية التي تهتم بحوار السيقان أدى لابتكار قناة فضائية إخبارية أجنبية فكرة برنامج إخباري تقدمه مذيعتان تبدآن النشرة بكامل الملابس ثم تتناقص كمية الملابس إلى أن تقفا عاريتين تماماً في نهاية النشرة!
تذكرت في ثنايا حديثي مقالة قرأتها للكاتب المشاكس جعفر عباس، حين استضيف في إحدى القنوات الفضائية، وكانت المذيعة المحاورة من النوع ذاته الجميل التحفة لكن من دون ثقافة أو بثقافة جمالية فقط، فكانت توجه أسئلة سخيفة لا تتماشى مع روح البرنامج فما ملك إلا أن انفجر فيها غاضباً بكلماته اللاذعة.
سنعيد النظر بعد مثل هذا الاستطلاع في كل مدعي وزاعمي الثقافة ومتابعي نشرات الأخبار المتسمرين حول شاشات القنوات الفضائية، هل حقاً هم يتابعون الأخبار والحوارات؟ أم أنهم يتابعون بعيونهم مشاهد الحسناوات المقتصدات في الملابس، ويشبعون عيونهم بالنظر إليهن وتستمر أصابعهم على الريموت كنترول بحثاً عن وجه فضائي جديد يكون أجمل، بغض النظر عن المادة الحوارية التي تقدمها هذه المذيعة الحسناء أو تلك؟
ولقد هالني في سنوات البث الفضائي الأولى ما نقل لي من أمر مذيعة عربية اشتهرت بلازمة لفظية معينة وهي «بنحبكن» وفاجأها أحد المشاهدين المتابعين لبرنامجها المنوع المفيد في نشر الثقافة بطلب غريب، إذ طلب منها ألا تقابل الكاميرا بوجهها وتريهم القفا ففاجأت المشاهدين بتلبية رغبة هذا المشاهد المراهق وسط صياح وصفير وتصفيق على هاتف المتصل! ناهيك عن الأسئلة الماسخة والغزل العلني لخطب ود نظرات المشاهدين ورسائل SMS التي تثني على المذيعة وتتغزل فيها من دون حرج، وإرسال القبلات في الهواء عبر الأثير الفضائي، وكل هذا لتحقيق أعلى المكاسب الإعلانية، والأرباح مع برامج من نوع حوار السيقان الإخبارية والثقافية الأمل المنشود في نشر ثقافة الحوار والرأي والرأي الآخر في المجتمع.