الأربعاء، يونيو 14، 2006

ضريبة تفريج الكرب

ضريبة تفريج الكُرب!

عبدالمنعم الحسين الحياة - 14/06/06//

تلقيت مكالمة هاتفية، كان على الطرف الآخر زميل دراسة قديم، لم أعتد تلقي مكالمات منه، كان المطلوب مجرد سلفة صغيرة عاجلة، بضعة آلاف من الريالات، والمبلغ في الحفظ والصون، أكد لي انه سيكون عندي في أقرب فرصة، لم أحب أن أرد صديقي، فأودعت المبلغ المطلوب على وجه السرعة، ولم أعمل بالحكمة المصرية التي تقول: إذا أردت أن تقرض رجلاً فيلزم أن يقبل يدك، لأنه لن يرد ما لك حتى تقبل قدمه!
وهذا ما حصل بالفعل، إذ مرت أيام بل الشهور وصاحب المكالمة الهاتفية غير مكترث بذلك المنتظِر؟!
العجيب أن ذلك المُلحّ في الاتصالات أصبح لا يجيب على الهاتف، وإذا صادف أن أخطأ وأجاب فستكون الإجابة بالتأكيد: المبلغ عندك نهاية الشهر. ويستمر مسلسل توم وجيري بلا نهاية، استفسرت من زملاء آخرين، فوجدت أن أخانا احترف مهنة السلفة العاجلة، وقد خدع الكثير منهم، ونصحوني بالاسترجاع وتوديع المبلغ وعدم هدر الوقت والجهد في تتبع «أرسين لوبين».
لم أيأس، حاولت الوصول لقرابته، فوجدت أنهم مطلعون على تصرفات الرجل، وعندهم إلمام كامل بالموضوع، وليس عندهم أي استعداد للتعاون في الحصول على المبلغ.
فكرت في الوصول للشخص المعني في محل عمله، وزيارته والإلحاح عليه في إعادة المبلغ، كررت الزيارة مرات متتالية، وليست هناك أي نتيجة غير مواعيد عرقوب! حتى رمى صاحبنا بآخر أوراقه قائلاً: المبلغ موجود وكامل، ولكن نظراً لإزعاجك الشديد فلن أسلمه لك، ودونك الشرطة!
ذهبت للشرطة وتقدمت بشكايتي، فأفادوني أن الرجل عليه مطالبات كثيرة ولست أنت الوحيد، وصارت معاملة وحضوراً واستدعاء وقصة طويلة من المراجعات ولا فائدة، ثم انتقلت بعد ذلك إلى المحكمة ثم الشرطة مرة أخرى، والمسألة طويلة ومملة، لكن كان عندي رغبة شديدة في إرهاق لص أصحاب الفزعات حتى آخر رمق.
انتقلت بعد ذلك لمحافظ المدينة، وشرحت له المسألة، فأمر مشكوراً بالقبض على اللص وإيداعه السجن لحين سداد المبلغ، وبعد أن وجد صاحبنا نفسه خلف قضبان الحجز لم يجد مفراً من إعادة المبلغ.
هذه المعاناة في تتبع مبلغ مالي خرج على سبيل السلفة السريعة ربما تتكرر كثيراً ويزداد الأمر سوءاً إذا كان هذا المخادع يقطن مدينة أخرى، والكثير منا يكتم على نفسه خدعاً كثيرة تلقاها، خشية أن يعرف الناس أنه وقع ضحية لمخادع.
هذه المواقف حجبت الكثير من الناس عن العمل بالحديث الذي يرويه ابن مسعود: «ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة»، وتجدهم يحجمون عن القرض والتيسير وتفريج الكرب، ويكون أهون عليهم دخول نادي «وأحضرت الأنفس الشح» أولى لهم من «المرمطة» إياها.
وللأسف كثر صنف لصوص القروض الشخصية التي تؤخذ بسيف الحياء والفزعة، ومثلهم لصوص كفالة الغرم الذين يحضرون أوراقهم بطلب التوقيع من الكافل الشهم فقط ثم تكون الكارثة حتى صح المثل: الكفالة أولها شهامة وآخرها ندامة، فهؤلاء الظرفاء أيضاً لا يعبأون بالوعيد النبوي: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله».
هذه الحالات أفرزت حالة عدم الأمان عند الناس وتفضيلهم المساعدات المالية المقطوعة واحتساب الأجر عند الله على الدخول في المداينة والدين، وإن الحال الاستهلاكية العالية التي يسير عليها المجتمع والتسويق العالي للأقساط والقروض المصرفية والبطاقات الائتمانية جعلت الناس يدخلون في بحر متلاطم من الديون المتلاحقة، وربما تفنى أعمارهم فترث ذريتهم ديونهم، ولو فتشت في بروتوكولات حكماء صهيون لوجدت أنهم يسعون لإرهاق الشعوب والدول بالديون وشل تفكيرهم بها.
وإن من الطريف توجه بعض المصارف لمنح قروض شخصية للراغبين في السياحة الخارجية وقضاء عطلة الصيف والاستمتاع لأيام وحمل الهم لأشهر طويلة من غير داع.