السبت، أبريل 16، 2016

تبرعات المليارات

مقالة كانت طلبت مني ثم لسبب أو آخر لم تنشر

أكبر تبرع في التاريخ ما أعلنه مؤخرا صاحب موقع شبكة التواصل الاجتماعي الأشهر والأكثر جماهيرية بين الشبكات موقع الفيسبوك مارك زوكربيرج وزوجته بـ45 مليار دولار، وتبرعات أخرى كثيرة بأرقام أقل من فاحشي الغنى وملاك الثروات. لكن هذه التبرعات الضخمة ربما تخفي وراءها سرا ، وأنها ليست تماما على حقيقتها حيث قد يلجأ لها أولئك كطريقة ذكية للتهرب من دفع الضرائب بتحويل المال إلى شكل تبرعات مقسطة بمؤسسة خيرية يرأسها ويشرف عليها ويديرها صاحب التبرع نفسه ما يمكن به أن يكون التبرع نوع احتيال قانوني ناهيك عن صور دمج التبرع الخيري بالتسويق والإعلان التجاري وكسب عملاء وتحقيق مكاسب مستقبلية أو الهيمنة على سوق أخرى لم تكن الجهة الخيرية المتبرع لها سوى طعم وتحسين صورة وبالرغم مما قيل كله حول مصداقية التبرع الخيري كما هي الصورة المثالية العالية السامية عندنا في الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية حين تدعو إلى السر في الصدقة قال تعالى : إ(ِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم) سورة البقرة رقم 271 ، فقد جاء في الأثر أن الآية الكريمة أنزلت في أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، فقد روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، ووافق ذلك عندي مالاً، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً. قال فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكلّ ما عنده فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبداً)) رواه أبو داوود 1678. وقال صلى الله عليه وآله وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله :" ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" رواه الشيخان. كل تلك الآثار تبين ثقافة التسامي والإحسان والحب لله تعالى وقمة الإيمان حين يقول صلى الله عليه وآله وسلم : والصدقة برهان" رواه مسلم. ذلك الأمر والخلق علينا أن لا نجتهد في طلبه والبحث عنه ودفع الناس له خشية الرياء بل أحيانا الحكم بعدم قبول الصدقة إن هي أشهرت أو أعلم عنها، علينا ألا نحجر واسعا ونترك نوايا الناس في قلوبهم ونكلها إلى الله ونعمل بالظاهر ولم نؤمر في النظر إلى القلوب، فالقلوب وأعمالها هي سر يعلمه الخالق وليس على المخلوق السعي والتأني في ذلك وليس عليه الهمز واللمز في المتصدقين والمتصدقات سواء كان ذلك بإشهار أم بقلة أم بكثرة ، لا نعلم من المقبول فنهنيه ومن المحروم فنعزّيه. بل أحيانا ولربما أن يكون إشهار الصدقة فيه نوع المنافسة بل ربما كان من تبعه في ذلك التبرع كمن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. تبرعات الموسرين والشركات والمؤسسات والعوائل والمؤسسات المانحة بقدر ما نسعى إلى التفكير بالثقافة التي تحد من الإعلان والإشهار، علينا أن نفكر بالزاوية الأخرى وهي زوايا الحوكمة والشفافية والإعلان والإشهار والباب المفتوح لتلك المؤسسات والإفصاح عن التبرعات بأرقامها وأصحابها وربما تحقق بذلك بعض الفوائد الأمنية وضبط العمل الخيري أكثر وأكثر، كما علينا أن نتوسط في ذلك فلا نشدد ونترم رغبة المتبرعين في هذا وليس علينا أن نخفي ما رغبوا في إشهاره بل الأفضل الإشهار والاستجابة لهم في حال رغبوا في عكسه. لنسوق مشاريعنا الخيرية على كبار التجار ونشجع الثقافة التي تتنامى في الغرب وهي رغبة التبرع بكل ثرواتهم أو بأغلبها. إن بعض القيود في جمع التبرعات ربما حالت بين الكثير من طرق تسويق المشاريع بالإعلان، انظروا مثلا كيف وإلى كم تصل تبرعات الحملات الإغاثية التي يعلن عنها بشكل رسمي وتعمل على شكل يوم بث حي تلفزيوني مباشر يسوق ويعلن عن الأرقام والجهات المتبرعة، كيف تتحرك أرقام التبرعات. لنغير من طريقة تسويق الأفكار والمشاريع ونغير من طرق المنح ونغير من أنظمة وقيود جمع التبرعات فحينها ربما استطعنا أن نعزز وجود متبرعي الأرقام المليارية في بيئتنا المحلية العربية والإسلامية فهي بالتأكيد أولى من أولئك الذين لا يرجون من الله عفوا وغفرانا.