الاثنين، نوفمبر 12، 2007

طلاق بقرار رئاسي


طلاق بقرار رئاسي!

عبدالمنعم الحسين جريدة الحياة - 12/11/07//

تابعت كغيري مجريات إعلان طلاق الرئيس الفرنسي ساركوزي لزوجته - سابقاً سيليسيا - والكل في ذهول لهذا التوقيت المفاجئ، إذ كيف لرئيس دولة أن يطلق وهو في موقع رئيس دولة من الدول العظمى، ويزعزع الصورة المخملية التي ينبغي أن يظهر بها أمام الناس كرجل مستقر عاطفياً، يستطيع أن يتخذ قرارات مهمة بشأن مصير دولة وشعب، لكن يبدو أن ذلك بالفعل ما حاول أن يبقى عليه أمام شعبه وأمام الناس، وحاول محاولة مستميتة في ثني زوجته السابقة سيليسيا التي لم ترشحه لموقع الرئاسة أصلاً، ولم تكن ترغب في أن تتخيل نفسها في موقع زوجة رئيس الدولة، وهي محاطة بكل هذه الأضواء، وعليها مسؤوليات محددة في تحركاتها وتصريحاتها وأعمالها، وأيضاً مطلوب منها أن تظهر معه في عدد من المناسبات. نعم حاول الرئيس إخفاء حقيقة إصرار قرينته على الانفصال وتوديع حياة القصور والرئاسة والشهرة، وأن تكون في المكان التي تحلم به أي سيدة في فرنسا، كان ساركوزي يجيب بإجابات عامة غير واضحة حين يُسأل في كل ظهور له عن حقيقة الطلاق، لكن يبدو أن سيليسيا الزوجة المطلقة لم تستطع أن تتعايش مع جو الرئاسة ومتطلباته، وفضلت الانسحاب من الزواج بكليته، وتبقى مطلقة حرة، على أن تبقى أسيرة البروتوكولات الرئاسية!

هل ستكون كميسون بنت بحدل الكلبية السيدة الجميلة التي أعجب بها الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان «رضي الله عنه» فرفضته ورفضت حياة القصور وفضلت العيش في الخيام، وأنشدت:

لبـيـــت تخـــفـــق الأرواح فيــه

أحب إليّ من قصر منيف

ولبس عباءة وتقرّ عيني

أحب إليّ من لبس الشفوف

وأكل كسيرة من كسر بيتي

أحب إليّ من أكل الرغيف

وأصوات الرياح بكل فج

أحب إلى من نقر الدفوف

وكلب ينبح الطُرّاق دوني

أحب إلي من قط أليف

ربما الخطوات التي كانت تخطوها سيليسيا على خشبة المسرح، والنظرات الفاحصة لها ولزيها وجمالها وقوامها، كانت تروق لها أكثر من النظرة الرسمية التي وجدت نفسها فيها فجأة، اختارت أن تكون عينة غريبة من عينات المطلقات اللاتي أصبحن سمة من سمات العصر الحديث، سمة عالمية وجعلت من نفسها سيدة أولى في الطلاق الرئاسي الجمهوري، التي يعلن طلاقها القصر الرئاسي في بيان صحافي يوزع على وكالات الأنباء والصحف، ويذاع بصيغتين، مرة بصيغة الانفصال، ثم مرة أخرى لأجل تأكيد الطلاق حتى تقطع بذلك الإشاعات والأقاويل كافة التي لم تتوقف حول الرئيس، حتى بعد ذلك الإعلان، إذ خرج في مقابلة تلفزيونية مع مذيعة إخبارية وجهت له سؤالاً حول انفصاله عن سيليسيا، فما كان منه إلا أن غضب ورمى بالميكروفون، ووصف منسق اللقاءات الصحافية الخاص به بالغباء لجدولة تلك المقابلة الصحافية له.

وضع صعب يمر به الرئيس الفرنسي ساركوزي، إذ إنه الرئيس الثاني بعد نابليون الذي ينفصل أسرياً وهو في مقعد الرئاسة، ويحقق هذه المزية غير المحبّذة، ووضع أصعب على الشعب الفرنسي أن يبقى تحت رئاسة مسؤول مضطرب الحياة الخاصة، ويمر بظروف أسرية صعبة، أو من الممكن أن نصيغ الخبر بالطريقة التالية: أن عقيلة الرئيس لم تطق العيش معه، ربما الشعب نفسه يكتشف ذلك بعد حين. ويحق لنا أن نراقب بحذر مشكلة قصر الإليزيه، إذ إن مشكلة كلينتون ومونيكا كانت نتيجتها صواريخ عشوائية على السودان وعلى أفغانستان في ذلك الحين، ولا ندري أي تهور يمكن أن ينقاد له الرئيس الفرنسي في حال أحب لعبة صرف الأنظار عنه وعن مشكلته الاجتماعية، الاضطرابات في فرنسا من عمال السكك الحديدية وغيرها من النقابات، مثل سائقي حافلات النقل العام، هي الأخرى مظاهر للأزمة الرئاسية التي تمر بها فرنسا من الطلاق الرئاسي العالمي المعولم الآثار، وستجلي لنا الأيام المقبلة آثاراً أخرى لذلك الطلاق.