مرحباً بغرامات المياه!
عبدالمنعم الحسين جريدةالحياة - 13/08/07//
بلاد صحراوية، المطر فيها نادر وقليل، ومعدل استهلاك الماء بالنسبة للأفراد عالٍ جداً ولا يتناسب أبداً مع بلد معرض للتصحر، ومعرض للجفاف، والسكّان فيه يستهلكون المياه من دون تنبه لمشكلة قلة مصادرها التي تعاني منها البلاد... ومحطات التحلية التي أصبحنا بها أعلى بلد منتج للمياه المحلاة في العالم، لم تعد تفي بحاجات الناس، ففي كل صيف تتكرر أخبار انقطاع إمدادات المياه هنا وهناك، ما سبب ظاهرة ازدحام المصطفين لأخذ دورهم من ناقلات المياه «وايتات» ونشوء سوق سوداء للحاويات المائية، وتصريحات مسؤولين مطمئنة رطبة تأتي كحبات العرق التي تسيل على وجوه المزدحمين تحت شمس شهر آب (أغسطس) الحارقة، تتجمع وتسيل ولا توفر حلاً لمشكلة نقص الماء في أجواء الحرارة اللاهبة.
حملة الترشيد التي قادتها وزارة المياه كلّفت الكثير وقدّمت للمرة الأولى برنامجاً عملياً احتوى أدوات ترشيد صنعت خصيصاً للحملة، المؤمّل أنها حققت شيئاً وأثراً، وليست كباقي الحملات التي تقتصر على التوعية.
لكن الاحتقان لا يزال موجوداً يشوب أداء الوزارة، خصوصاً في مجال توفير المياه، المهمة المطلوبة منها قبل التوعية كما علّق أحدهم: إنّ انطلاقة حملة الترشيد جاءت باكرة واستباقاً لوصول المياه إلى أحياء تنتظرها سواء كانت محلاة أو غير محلاة، فسكان هذه الأحياء تعبوا وأضناهم التعب من ملاحقة حاويات المياه التي ترتفع أسعارها ارتفاعاً حاداً مع تعطّل وصول الإمدادات.
ولا زلت أتذكّر حال الحنق الحادة جداً إبان شهر رمضان الماضي مع انقطاع المياه وتحوّل الحي لزاوية من زوايا الربع الخالي، ثم يأتي التبرير بأن المشكلة مجرد انقطاع أنبوب لا أقل ولا أكثر، أتذكر أني شاهدت من بعيد شبح سيارة من السيارات التي تنقل المياه إياها فتوجهت إلى مكانه لعلّ يتبقى بعد ملء خزان ذلك المنزل منه شيء، وبعد انتظار طويل تبقى معه شيء، فطلبت منه أن ينتقل لمنزلي فاعتذر بأن هناك حجوزات تنتظر باقي الكمية، وأن السبيل السريع هو ملء خزان مياه الشرب واستعماله للوضوء والطهارة والغسيل... إلخ!
ذلك الموقف ومواقف شبيهة كافية وبشدة لشعورنا وإحساسنا بضخامة المشكلة، لكن ماذا نعمل مع أناس متى ما عاد الماء يتدفق في منازلهم نسوا معاناة الانقطاع وعادوا لممارسات مستهترة جداً بترك الماء يتدفق بغزارة من الصنبور ليذهب هدراً لا لسبب ولكن لأن رقاق البشرة لا يحتملون حرارة الماء فيتركونه متدفقاً بكثافة لكي يصل إلى الماء المعتدل الحرارة، ومثله في الشتاء يهدر الماء بالطريقة نفسها في انتظار تدفق الماء الدافئ الذي يتأخر من السخان المركزي البعيد.
هكذا نحن ربما لا نفهم لغة التوعية ولا ندري بالضبط إلى أي مدى استجاب الناس لتركيب تلك الأدوات المرشدة لاستهلاك المياه في منازلهم، وماذا عن استهلاك المياه في الأماكن العامة، مثل دورات مياه المساجد والمدارس والعمالة السائبة التي تملأ سطولها بالماء العام وتتكسب بغسل السيارات... ولا ندري عن التسربات التي تكون من الأنابيب في باطن الأرض وداخل المنازل والمحابس غير المُحكمَة، وهناك حكاية طويلة اسمها المسابح في الاستراحات والمنازل التي تملأ وتفرّغ ولا تستخدم معها المرشحات الحديثة وإنما كل مرة ماء جديد مستهلك.
سعدنا هذا العام بخطوة فرض الغرامات على المنازل التي تهدر الماء متدفقاً من أسفل الأبواب نتيجة طريقة خاطئة في الاستهلاك، ومثل ذلك على مغاسل السيارات، وكنتيجة واضحة حتى الآن يمر هذا الصيف متجاوزاً نصفه والماء لم ينقطع ولا ليوم واحد بعكس الأعوام السابقة.
نريد استمرار تلك المتابعة والغرامات وفرض زيادة في أسعار الفواتير على الاستهلاك العالي - وليس الكل - فليس الماء بأقل أهمّية من ثرثرة الثرثارين في الجوّالات حتى تكون فاتورة المياه هي أقل فاتورة مدفوعات عند من لم تنفع معه كل أساليب التوعية، خصوصاً مع المنازل التي تكون بها مدبّرة منزل أو أكثر، إذ يكون هدر الماء ملازماً لعمليات التنظيف والجلي اليومي للأثاث وردهات المنازل الممتدة استغلالاً لوجود الخادمة وعدم جلوسها من دون عمل، وليذهب الماء حيث لا يعود.
عبدالمنعم الحسين جريدةالحياة - 13/08/07//
بلاد صحراوية، المطر فيها نادر وقليل، ومعدل استهلاك الماء بالنسبة للأفراد عالٍ جداً ولا يتناسب أبداً مع بلد معرض للتصحر، ومعرض للجفاف، والسكّان فيه يستهلكون المياه من دون تنبه لمشكلة قلة مصادرها التي تعاني منها البلاد... ومحطات التحلية التي أصبحنا بها أعلى بلد منتج للمياه المحلاة في العالم، لم تعد تفي بحاجات الناس، ففي كل صيف تتكرر أخبار انقطاع إمدادات المياه هنا وهناك، ما سبب ظاهرة ازدحام المصطفين لأخذ دورهم من ناقلات المياه «وايتات» ونشوء سوق سوداء للحاويات المائية، وتصريحات مسؤولين مطمئنة رطبة تأتي كحبات العرق التي تسيل على وجوه المزدحمين تحت شمس شهر آب (أغسطس) الحارقة، تتجمع وتسيل ولا توفر حلاً لمشكلة نقص الماء في أجواء الحرارة اللاهبة.
حملة الترشيد التي قادتها وزارة المياه كلّفت الكثير وقدّمت للمرة الأولى برنامجاً عملياً احتوى أدوات ترشيد صنعت خصيصاً للحملة، المؤمّل أنها حققت شيئاً وأثراً، وليست كباقي الحملات التي تقتصر على التوعية.
لكن الاحتقان لا يزال موجوداً يشوب أداء الوزارة، خصوصاً في مجال توفير المياه، المهمة المطلوبة منها قبل التوعية كما علّق أحدهم: إنّ انطلاقة حملة الترشيد جاءت باكرة واستباقاً لوصول المياه إلى أحياء تنتظرها سواء كانت محلاة أو غير محلاة، فسكان هذه الأحياء تعبوا وأضناهم التعب من ملاحقة حاويات المياه التي ترتفع أسعارها ارتفاعاً حاداً مع تعطّل وصول الإمدادات.
ولا زلت أتذكّر حال الحنق الحادة جداً إبان شهر رمضان الماضي مع انقطاع المياه وتحوّل الحي لزاوية من زوايا الربع الخالي، ثم يأتي التبرير بأن المشكلة مجرد انقطاع أنبوب لا أقل ولا أكثر، أتذكر أني شاهدت من بعيد شبح سيارة من السيارات التي تنقل المياه إياها فتوجهت إلى مكانه لعلّ يتبقى بعد ملء خزان ذلك المنزل منه شيء، وبعد انتظار طويل تبقى معه شيء، فطلبت منه أن ينتقل لمنزلي فاعتذر بأن هناك حجوزات تنتظر باقي الكمية، وأن السبيل السريع هو ملء خزان مياه الشرب واستعماله للوضوء والطهارة والغسيل... إلخ!
ذلك الموقف ومواقف شبيهة كافية وبشدة لشعورنا وإحساسنا بضخامة المشكلة، لكن ماذا نعمل مع أناس متى ما عاد الماء يتدفق في منازلهم نسوا معاناة الانقطاع وعادوا لممارسات مستهترة جداً بترك الماء يتدفق بغزارة من الصنبور ليذهب هدراً لا لسبب ولكن لأن رقاق البشرة لا يحتملون حرارة الماء فيتركونه متدفقاً بكثافة لكي يصل إلى الماء المعتدل الحرارة، ومثله في الشتاء يهدر الماء بالطريقة نفسها في انتظار تدفق الماء الدافئ الذي يتأخر من السخان المركزي البعيد.
هكذا نحن ربما لا نفهم لغة التوعية ولا ندري بالضبط إلى أي مدى استجاب الناس لتركيب تلك الأدوات المرشدة لاستهلاك المياه في منازلهم، وماذا عن استهلاك المياه في الأماكن العامة، مثل دورات مياه المساجد والمدارس والعمالة السائبة التي تملأ سطولها بالماء العام وتتكسب بغسل السيارات... ولا ندري عن التسربات التي تكون من الأنابيب في باطن الأرض وداخل المنازل والمحابس غير المُحكمَة، وهناك حكاية طويلة اسمها المسابح في الاستراحات والمنازل التي تملأ وتفرّغ ولا تستخدم معها المرشحات الحديثة وإنما كل مرة ماء جديد مستهلك.
سعدنا هذا العام بخطوة فرض الغرامات على المنازل التي تهدر الماء متدفقاً من أسفل الأبواب نتيجة طريقة خاطئة في الاستهلاك، ومثل ذلك على مغاسل السيارات، وكنتيجة واضحة حتى الآن يمر هذا الصيف متجاوزاً نصفه والماء لم ينقطع ولا ليوم واحد بعكس الأعوام السابقة.
نريد استمرار تلك المتابعة والغرامات وفرض زيادة في أسعار الفواتير على الاستهلاك العالي - وليس الكل - فليس الماء بأقل أهمّية من ثرثرة الثرثارين في الجوّالات حتى تكون فاتورة المياه هي أقل فاتورة مدفوعات عند من لم تنفع معه كل أساليب التوعية، خصوصاً مع المنازل التي تكون بها مدبّرة منزل أو أكثر، إذ يكون هدر الماء ملازماً لعمليات التنظيف والجلي اليومي للأثاث وردهات المنازل الممتدة استغلالاً لوجود الخادمة وعدم جلوسها من دون عمل، وليذهب الماء حيث لا يعود.