حتى« الفول» له أب!
عبد المنعم الحسين جريدة الحياة - 20/11/07//
كَثُر الكلام عن غلاء السلع التي ارتفعت أسعارها ارتفاعاً فاحشاً وغير مبرر لجميع المستهلكين، وسط نوم وصمت من وزارة التجارة، وعدم تحرك ملموس منها لحماية المستهلك، وكذلك عدم وجود جمعيات أهلية تدعم المستهلك «الغلبان»، الذي أصبح فريسة تهور واندفاع الجشعين لرفع السعر حتى بلغ التضخم أشده... والنصائح الوحيدة التي توجه للمستهلكين المساكين هي «التزام سياسة شد الحزام» لمقاطعة سلعة معينة مثل الأرز البسمتي الهندي، الذي رفع رأسه علينا أخيراً، ومارس علينا الحرب التي يمارسها مروجو المخدرات، الذين يقدمون المخدرات بدايةً بأسعار تشجيعية أو مجانية، حتى إذا أدمنها المتعاطي بادر المروّج إلى رفع السعر والتحكم برقاب ضحاياه من المدمنين!
نعم شبه ذلك هو ما حصل من إخواننا في البشرية الهنود، الذين رفعوا السعر، غير آبهين بهزة المستهلك الفقير الذي اعتاد الحصول على السلعة بسعر مناسب في السابق، وصارت الوجبة الرئيسة المحببة للأسرة السعودية الفقيرة والغنية على حد سواء (الكبسة) بعد موجة الغلاء التي أصابت الرز ورفعت أسعاره إلى ما يقارب 30 في المئة زيادةً، ثم تسرب الغلاء إلى البدائل التي دعت لها وزارة التجارة باعتمادها أنواعاً أخرى من الأغذية. الفول هو أحد «البدائل» الغذائية، أصابه هو الآخر جنون الأرز، وفجأة جاءته علاوة «UP -أب»، ومن دون أي اكتراث أو مقدمات أو خواتيم طيبة، علقت محال بيع الفول تسعيرتها الجديدة واللي «عاجبه» يشتري ومنْ لا يعجبه يأكل من الهواء ما يشاء!
توقعت تراجعاً في أعداد المتزاحمين على الفوّالين والتوجه نحو سلع بديلة أخرى، خصوصاً أن الزيادة التي طالت الفول وصلت إلى 50 في المئة، لكن لا بدائل أخرى أمام الغلابة غير فول «القلابة»، أنا منذ أن وعيت على الدنيا أسمع أن الفول وجبة الفقراء، لكن لم أتوقع أن يضرب الغلاء هذه الوجبة الشعبية!
ما يحدث الآن من غلاء طاحن يبدو أنه فوق قدرة المحللين الاقتصاديين ليقنعونا بمبرراته، فالتجار يعلنون أنه من الخارج، وأنهم لا قدرة لهم عليه لوقفه، وأنهم تعاونوا مع المستهلكين وباعوا بسعر الكلفة لمدة معينة، وأنهم بريئون كل البراءة من تهمة الجشع، بينما تلقي وزارة التجارة بكل اللائمة على الأسواق الخارجية، وأن المستهلك طرف في الموضوع بتوجهه الاختياري إلى سلع ومواد معينة، وهو ما لا نتفق معه فيه، إذ إن المستهلك عندنا متنوع ومتعدد، والمطاعم تبحث عن الأنسب ولا تركز على سلعة بعينها، بل تتفنن في تقديم الأنواع الجديدة التي لا نهاية لها، وكذلك بعض المراقبين لأسعار المواد في البورصات العالمية يلاحظون ارتفاعاً، لكن هو الآخر ارتفاع قليل لا يبرر الزيادات الحاصلة حالياً، التي وصلت حد الجنون. هناك نوع من فساد الترف خارج عن السيطرة بلا عقوبة عليه، يتعلق بتصرفات البعض، الذين لا يزالون يملأون أكياس النفايات ببقايا الأطعمة الصالحة للأكل، خصوصاً عند المناسبات في قاعات الأفراح، مع تواصل ارتفاع أسعار السلع الغذائية، بينما تتجه خدمات الاتصال وأجهزة الاتصال - على سبيل المثال - نحو انخفاضات متتالية تصل إلى ما يقرب من 100 في المئة من أسعارها قبل سنوات. الشاهد من الحديث هنا هو دعوة للتاجر والمستهلك، والفقير والغني، والمؤسسات الخيرية والقطاع الخاص والمؤسسات الحكومية، لمعالجة الوضع على الأقل بالعودة إلى فكرة السلع المدعومة والخدمات الأساسية التي يجب أن يحافظ عليها عند مستويات معينة تناسب الفئة، لا أقول محدودة الدخل وإنما شبه محدودة الدخل، ولو بطريقة الطفرة الأولى من تقديم دعم حكومي لبعض السلع الأساسية، مثل الفول وإخوانه من كل السلع التي يحتاجها المواطن، ليبقيها عند سقف سعري معين، كي لا يأكل الغلاء والتضخم المساكين المتحلقين حول جرة الفول
عبد المنعم الحسين جريدة الحياة - 20/11/07//
كَثُر الكلام عن غلاء السلع التي ارتفعت أسعارها ارتفاعاً فاحشاً وغير مبرر لجميع المستهلكين، وسط نوم وصمت من وزارة التجارة، وعدم تحرك ملموس منها لحماية المستهلك، وكذلك عدم وجود جمعيات أهلية تدعم المستهلك «الغلبان»، الذي أصبح فريسة تهور واندفاع الجشعين لرفع السعر حتى بلغ التضخم أشده... والنصائح الوحيدة التي توجه للمستهلكين المساكين هي «التزام سياسة شد الحزام» لمقاطعة سلعة معينة مثل الأرز البسمتي الهندي، الذي رفع رأسه علينا أخيراً، ومارس علينا الحرب التي يمارسها مروجو المخدرات، الذين يقدمون المخدرات بدايةً بأسعار تشجيعية أو مجانية، حتى إذا أدمنها المتعاطي بادر المروّج إلى رفع السعر والتحكم برقاب ضحاياه من المدمنين!
نعم شبه ذلك هو ما حصل من إخواننا في البشرية الهنود، الذين رفعوا السعر، غير آبهين بهزة المستهلك الفقير الذي اعتاد الحصول على السلعة بسعر مناسب في السابق، وصارت الوجبة الرئيسة المحببة للأسرة السعودية الفقيرة والغنية على حد سواء (الكبسة) بعد موجة الغلاء التي أصابت الرز ورفعت أسعاره إلى ما يقارب 30 في المئة زيادةً، ثم تسرب الغلاء إلى البدائل التي دعت لها وزارة التجارة باعتمادها أنواعاً أخرى من الأغذية. الفول هو أحد «البدائل» الغذائية، أصابه هو الآخر جنون الأرز، وفجأة جاءته علاوة «UP -أب»، ومن دون أي اكتراث أو مقدمات أو خواتيم طيبة، علقت محال بيع الفول تسعيرتها الجديدة واللي «عاجبه» يشتري ومنْ لا يعجبه يأكل من الهواء ما يشاء!
توقعت تراجعاً في أعداد المتزاحمين على الفوّالين والتوجه نحو سلع بديلة أخرى، خصوصاً أن الزيادة التي طالت الفول وصلت إلى 50 في المئة، لكن لا بدائل أخرى أمام الغلابة غير فول «القلابة»، أنا منذ أن وعيت على الدنيا أسمع أن الفول وجبة الفقراء، لكن لم أتوقع أن يضرب الغلاء هذه الوجبة الشعبية!
ما يحدث الآن من غلاء طاحن يبدو أنه فوق قدرة المحللين الاقتصاديين ليقنعونا بمبرراته، فالتجار يعلنون أنه من الخارج، وأنهم لا قدرة لهم عليه لوقفه، وأنهم تعاونوا مع المستهلكين وباعوا بسعر الكلفة لمدة معينة، وأنهم بريئون كل البراءة من تهمة الجشع، بينما تلقي وزارة التجارة بكل اللائمة على الأسواق الخارجية، وأن المستهلك طرف في الموضوع بتوجهه الاختياري إلى سلع ومواد معينة، وهو ما لا نتفق معه فيه، إذ إن المستهلك عندنا متنوع ومتعدد، والمطاعم تبحث عن الأنسب ولا تركز على سلعة بعينها، بل تتفنن في تقديم الأنواع الجديدة التي لا نهاية لها، وكذلك بعض المراقبين لأسعار المواد في البورصات العالمية يلاحظون ارتفاعاً، لكن هو الآخر ارتفاع قليل لا يبرر الزيادات الحاصلة حالياً، التي وصلت حد الجنون. هناك نوع من فساد الترف خارج عن السيطرة بلا عقوبة عليه، يتعلق بتصرفات البعض، الذين لا يزالون يملأون أكياس النفايات ببقايا الأطعمة الصالحة للأكل، خصوصاً عند المناسبات في قاعات الأفراح، مع تواصل ارتفاع أسعار السلع الغذائية، بينما تتجه خدمات الاتصال وأجهزة الاتصال - على سبيل المثال - نحو انخفاضات متتالية تصل إلى ما يقرب من 100 في المئة من أسعارها قبل سنوات. الشاهد من الحديث هنا هو دعوة للتاجر والمستهلك، والفقير والغني، والمؤسسات الخيرية والقطاع الخاص والمؤسسات الحكومية، لمعالجة الوضع على الأقل بالعودة إلى فكرة السلع المدعومة والخدمات الأساسية التي يجب أن يحافظ عليها عند مستويات معينة تناسب الفئة، لا أقول محدودة الدخل وإنما شبه محدودة الدخل، ولو بطريقة الطفرة الأولى من تقديم دعم حكومي لبعض السلع الأساسية، مثل الفول وإخوانه من كل السلع التي يحتاجها المواطن، ليبقيها عند سقف سعري معين، كي لا يأكل الغلاء والتضخم المساكين المتحلقين حول جرة الفول