من أجل المال...
عبدالمنعم الحسين جريدة الحياة - 13/11/07//
المال عصب الحياة، ومحرك مهم لا يمكن لأحد أن يزهد فيه حتى لو أراد أن يكون مثل أبي الدرداء (عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي، توفي سنة 38 هـ) - رضي الله عنه - وأمثاله من قمم التاريخ الإسلامي، الذين عملوا لأجل الآخرة، ولم تفتنهم.
وعن هوس المال استفزتني دراسة عملت في ألمانيا، الدولة الصناعية الأعجوبة، الدراسة كانت تسأل الناس سؤالاً غريباً، وهو هل يقبلون القيام بأعمال معينة تكون مستغربة، أو المستهجنة أو من «اللاينبغيات»، بحسب مصطلحهم، أعمال نعتبرها نحن بمفاهيمنا وتقاليدنا مرفوضة وفي مكان عام، مقابل مبالغ معينة لمجرد أن مثل تلك الأعمال تتم تحت إغراء المال!
وافق عدد من المشاركين في الإجابات على الصعود فوق كرسي في مقهى عام وأمام الجمهور لقراءة قصيدة بصوت عالٍ، في حين أن كلمات القصيدة كلها فحش وفجور، علماً بأن المقابل الذي سيناله الشخص الذي يلقي القصيدة مبلغ بسيط من الماركات الألمانية، ولسان حاله يقول «المهم أن هذا المبلغ البسيط سيكون رقماً في خانة آلاف الماركات»، كما وافق بعض النساء على النوم مع أشخاص لا يستسيغونهم في مقابل الماركات!
نتيجة الاستلانة كانت صدمة بالنسبة لصاحب الدراسة، ولكل الباحثين الاجتماعيين والمهتمين بالعلوم الإنسانية المتقدمة، إذ تساءلوا: كيف يمكن أن ينحط الإنسان بسب المال إلى حد عبادة المادة، حتى أصبح في الحال التي ذمها رسونا الكريم «صلى الله عليه وسلم»: «تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش».
إنها تعاسة ما بعدها تعاسة، أن يعيش الإنسان في سجن المادية، وعبادة المادة والمال، ويقوم بأي عمل لا يتفق مع إنسانيته وكرامته، للأسف إن ظاهرة اللهاث والجري المسعور وراء المال ليست آفة ابتلي بها الألمان وحدهم، وكشفتها الدراسة المشار إليها، ولكنها ظاهرة أخذت تسيطر على أصحاب الثقافات الإسلامية، والمجتمعات العربية التي لم يكن ذلك اللهاث وراء المال يسيطر على تفكيرهم، أو يتحكم في علاقاته، لأنه ليس من عاداتهم وشيمهم ونخوتهم.
ولكن خلف من بعد الأسلاف الأماجد خلف يتصارعون على معشوقهم المال، الذي كان ينبغي أن نتحكم فيه، لا أن يتحكم فينا ويوجهنا في علاقاتنا وتصرفاتنا، بدعوى ضغط الحاجة الملحة وتلبية المطالب الأسرية الضرورية منها والكمالية، ما يدفع البعض إلى السرقة والرشوة والنصب والاحتيال والغش والكذب في البيع والمتاجرة في مواد محرمة، مثل الدخان والمخدرات، كل ذلك تحت ضغط إغراء المال.
أختم بقول نبينا المصطفى «صلى الله عليه وسلم»: ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم»، وقوله «يا أيها الناس إن أحدكم لنْ يموت حتى يستكمل رزقه وأجله، فأجملوا في الطلب، فإن ما عند الله لا يُنال بالحرام».