مساكن» المساكين
عبد المنعم الحسين جريدة الحياة - 24/07/07//
لست مختلفاً عن الناس، كنت متطلعاً ومتشوقاً جداً لبرنامج «مساكن»، وتوقعت أن يكون الحل النهائي والميسر لمشكلتي ومشكلة الكثيرين غيري، ممن يعيشون على خط التماس المتلازم مع سكان الشقق المؤجرة، الذين يترقبون طرقات صاحب العقار مع مطلع كل ستة أشهر ليقتطع مستحقه كاملاً غير منقوص، وأدفع أعلى فاتورة معيشة بين الفواتير التي أدفعها بين غذاء ودواء وكهرباء واتصالات ومواصلات! كل الأحلام الوردية التي كنا نعيشها في سكنى بيت العمر تبخرت وتلاشت، إذ كنا نؤمل أن نتجول في أركان المسكن الحلم قبل أن يشتعل الرأس شيباً، لكن تحطمت كل الأحلام والأماني مع تعثر قروض البنك العقاري وتأخرها المتزايد مع تزايد السكان وضعف الحلول المقدمة من هنا وهناك.
في مدينتي، وزارة الإسكان نجحت في بناء عدد اثنين من المجمعات السكنية بولادة متعسرة ونماذج لا تتوافق والاحتياجات الخاصة بأفراد الأسرة السعودية، التي يصل متوسط عددها إلى ستة أفراد، وتوقفت بعد ذلك، يبدو لي أن الفكرة في بنائها إلى تقديم عروض ونماذج وليست مشروعاً خدمياً كما هو المرجو منها، مشكلة السكن والسكان ليست مشكلتهم بالفعل، إذ من الصعب أن تتحمل وزارة مسؤولية إيجاد سكن لشعب بأكمله، لكن المشكلة تكمن في تجاهل لحق من حقوق الإنسان في وجود سكن له، إذ الشركات الكبيرة والقطاع الخاص لا يضع في جدول أعماله بناء مساكن مناسبة لمنسوبي الشركة، وأعظم خدمة يمكن أن تقدم هي القروض أو تأجير المنازل والشقق من المواطنين، ناهيك عن وجود مشاريع إسكان للموظفين من الإدارات الحكومية، عدا بعض المشاريع النوعية مثل المدن العسكرية والهيئة الملكية في الجبيل وما على شاكلتها، من التي تعامل الإنسان على أنه إنسان لا على أنه عصفور يعيش على الأشجار، وما زاد من حدة المشكلة هو توجه الإدارات الحكومية لاستئجار المنازل كمقار لها، فهناك فروع لإدارات حكومية وكليات ومدارس تقع في منازل ما أسهم في قلة المعروض وازدياد الطلب، وارتفاع كلفة البناء إلى أكثر من الضعف.
كما زاد من حدة المشكلة على الموظفين المساكين وباعد حلم سكنى بيت العمر، حتى على الطبقة المخملية من الموظفين القدامى ذوي الرواتب العالية أو المزدوجة أحياناً الناتجة من عمل الزوج والزوجة، وعزز من وجود المشكلة أسعار مبالغ فيها لأراضٍ في مخططات أحياناً كثيرة تكون غير مخدومة.
شركات المساكن ومشاريع الإسكان المقدمة من القطاع الخاص لا تلبي حاجات المواطنين من حيث الموثوقية الاعتمادية، مرونة التصميم وطريقة السداد وارتفاع التكاليف وضعف المنافسة في هذا القطاع، الذي ربما أبان لنا حاجة السوق لفتح فرص استثمار أمام المستثمر الأجنبي بطريقة منظمة للسوق، كهيئة للإسكان تسمح بدخول شركات مقاولات خليجية أو عالمية بدل هذه الشركات التي عجزت عن تلبية حاجة السوق، إذ لا يزال بناء الأفراد المقتدرين لمنازلهم عن طريق مقاولين (أبو عشرة عمال) أو العمالة المرتزقة، والبنوك والمصارف هي الأخرى لم تنجح في تقديم منتجات تسهم في حل المشكلة لارتفاع سعر الفائدة وتعقد الشروط على طالبي القروض.
وسط هذا الوضع الذي جعل 40 في المئة من المتقاعدين لا يملكون مساكن خاصة بهم ويعيشون في مساكن مستأجرة، داعب الموظفين منهم أخيراً أمل مشروع «مساكن» المقدم من المؤسسة العامة للتقاعد، التي قدمت منتجاً هزيلاً بائساً بشّروا به كثيراً، وانتظره الموظفون بتشوف، ولكن النتيجة تمخض الجبل فولد فأراً... فالشروط المعقدة وارتفاع سعر الفائدة يصل إلى مبلغ مساوٍ للمبلغ المقترض أو يزيد، يجعل من المؤسسة الصديقة للموظفين، والتي تغذت من دمائهم تتعشى بهم كذلك وترميهم لا أقول عظاماً ولكن كومة عظام مسحوقة، والشيء الغريب الذي لم أستطع أن أستوعبه هو شكوى الموظفين الذين تقل رواتبهم عن خمسة آلاف، والمتقاعدين من عدم السماح لهم بالاقتراض من مشروع «مصاص دماء الموظفين المساكين» واستغلال حاجتهم لمساكن.
كلي أمل أن توقف تلك المهزلة المسماة بمشروع «مساكن» وإعادة تقديمه بطريقة وطنية عقلانية، تعيش وتتفهم واقع الأزمة التي نعيشها وتقدم إسهاماً فعلياً بالحل وليس بطريقة انتهاز الفرص
عبد المنعم الحسين جريدة الحياة - 24/07/07//
لست مختلفاً عن الناس، كنت متطلعاً ومتشوقاً جداً لبرنامج «مساكن»، وتوقعت أن يكون الحل النهائي والميسر لمشكلتي ومشكلة الكثيرين غيري، ممن يعيشون على خط التماس المتلازم مع سكان الشقق المؤجرة، الذين يترقبون طرقات صاحب العقار مع مطلع كل ستة أشهر ليقتطع مستحقه كاملاً غير منقوص، وأدفع أعلى فاتورة معيشة بين الفواتير التي أدفعها بين غذاء ودواء وكهرباء واتصالات ومواصلات! كل الأحلام الوردية التي كنا نعيشها في سكنى بيت العمر تبخرت وتلاشت، إذ كنا نؤمل أن نتجول في أركان المسكن الحلم قبل أن يشتعل الرأس شيباً، لكن تحطمت كل الأحلام والأماني مع تعثر قروض البنك العقاري وتأخرها المتزايد مع تزايد السكان وضعف الحلول المقدمة من هنا وهناك.
في مدينتي، وزارة الإسكان نجحت في بناء عدد اثنين من المجمعات السكنية بولادة متعسرة ونماذج لا تتوافق والاحتياجات الخاصة بأفراد الأسرة السعودية، التي يصل متوسط عددها إلى ستة أفراد، وتوقفت بعد ذلك، يبدو لي أن الفكرة في بنائها إلى تقديم عروض ونماذج وليست مشروعاً خدمياً كما هو المرجو منها، مشكلة السكن والسكان ليست مشكلتهم بالفعل، إذ من الصعب أن تتحمل وزارة مسؤولية إيجاد سكن لشعب بأكمله، لكن المشكلة تكمن في تجاهل لحق من حقوق الإنسان في وجود سكن له، إذ الشركات الكبيرة والقطاع الخاص لا يضع في جدول أعماله بناء مساكن مناسبة لمنسوبي الشركة، وأعظم خدمة يمكن أن تقدم هي القروض أو تأجير المنازل والشقق من المواطنين، ناهيك عن وجود مشاريع إسكان للموظفين من الإدارات الحكومية، عدا بعض المشاريع النوعية مثل المدن العسكرية والهيئة الملكية في الجبيل وما على شاكلتها، من التي تعامل الإنسان على أنه إنسان لا على أنه عصفور يعيش على الأشجار، وما زاد من حدة المشكلة هو توجه الإدارات الحكومية لاستئجار المنازل كمقار لها، فهناك فروع لإدارات حكومية وكليات ومدارس تقع في منازل ما أسهم في قلة المعروض وازدياد الطلب، وارتفاع كلفة البناء إلى أكثر من الضعف.
كما زاد من حدة المشكلة على الموظفين المساكين وباعد حلم سكنى بيت العمر، حتى على الطبقة المخملية من الموظفين القدامى ذوي الرواتب العالية أو المزدوجة أحياناً الناتجة من عمل الزوج والزوجة، وعزز من وجود المشكلة أسعار مبالغ فيها لأراضٍ في مخططات أحياناً كثيرة تكون غير مخدومة.
شركات المساكن ومشاريع الإسكان المقدمة من القطاع الخاص لا تلبي حاجات المواطنين من حيث الموثوقية الاعتمادية، مرونة التصميم وطريقة السداد وارتفاع التكاليف وضعف المنافسة في هذا القطاع، الذي ربما أبان لنا حاجة السوق لفتح فرص استثمار أمام المستثمر الأجنبي بطريقة منظمة للسوق، كهيئة للإسكان تسمح بدخول شركات مقاولات خليجية أو عالمية بدل هذه الشركات التي عجزت عن تلبية حاجة السوق، إذ لا يزال بناء الأفراد المقتدرين لمنازلهم عن طريق مقاولين (أبو عشرة عمال) أو العمالة المرتزقة، والبنوك والمصارف هي الأخرى لم تنجح في تقديم منتجات تسهم في حل المشكلة لارتفاع سعر الفائدة وتعقد الشروط على طالبي القروض.
وسط هذا الوضع الذي جعل 40 في المئة من المتقاعدين لا يملكون مساكن خاصة بهم ويعيشون في مساكن مستأجرة، داعب الموظفين منهم أخيراً أمل مشروع «مساكن» المقدم من المؤسسة العامة للتقاعد، التي قدمت منتجاً هزيلاً بائساً بشّروا به كثيراً، وانتظره الموظفون بتشوف، ولكن النتيجة تمخض الجبل فولد فأراً... فالشروط المعقدة وارتفاع سعر الفائدة يصل إلى مبلغ مساوٍ للمبلغ المقترض أو يزيد، يجعل من المؤسسة الصديقة للموظفين، والتي تغذت من دمائهم تتعشى بهم كذلك وترميهم لا أقول عظاماً ولكن كومة عظام مسحوقة، والشيء الغريب الذي لم أستطع أن أستوعبه هو شكوى الموظفين الذين تقل رواتبهم عن خمسة آلاف، والمتقاعدين من عدم السماح لهم بالاقتراض من مشروع «مصاص دماء الموظفين المساكين» واستغلال حاجتهم لمساكن.
كلي أمل أن توقف تلك المهزلة المسماة بمشروع «مساكن» وإعادة تقديمه بطريقة وطنية عقلانية، تعيش وتتفهم واقع الأزمة التي نعيشها وتقدم إسهاماً فعلياً بالحل وليس بطريقة انتهاز الفرص