قناتك» تحدد شخصيتك
عبد المنعم الحسين جريدة الحياة الحياة - 19/06/07//
في السابق كانوا يرددون عبارات مثل قل لي من تصاحب، أقل لك من أنت؟ بعد ذلك تحولت إلى قل لي ماذا تقرأ، أقل لك من أنت؟ لكن بعد امتلاء الفضاء بقنوات كثيرة ربما تزيد في عددها على الثلاثمئة قناة عربية حتى الآن ناهيك عن القنوات الأجنبية، وبناء على متغيرات ورغبات المشاهدة لا نستطيع أن نحدد ما القناة المفضلة للمشاهد العربي، حتى لو صوّت لها بأنها قناته المفضلة، نظراً لسلوك المشاهدة الخفي الذي لا يظهر للناس، وقد لا يظهر حتى للمقربين جداً للمشاهد نفسه، ونظراً لأن أياً من الدراسات التي ترصد سلوكيات الناس وعاداتهم وفق اختبارات من مثل هذا النوع لم تتم حتى الآن، وافتقار مكتبة البحوث والدراسات لشيء من الرصد حول تصنيف الناس بحسب مشاهدتهم، فسأقدم عبر هذه المقالة السريعة خدمة جديدة ظنية، أنه لم يسبقني إليها أحد، قد تكون نواة بحث وتقصٍ، وحتى التوصل إلى ذلك البحث بعد سنة أو أكثر يمكن لمحبي الاطلاع على تلك التصنيفات الاستفادة من هذه الأطروحة التي تعتمد على طريقة ظنية، وفق انطباعات شخصية مع محاولة الاستفادة من موروث الخبرة التراكمية من تحليلات الأشخاص وفق الاختبارات المتعددة، وكذلك الاطلاع على الدراسات التحليلية في علم النفس وما شابه.
إذا وصلت إلى هنا عزيزي القارئ فأنت مهيأ تماماً لتلقي التصنيفات الآتية: حيث الناس الذين لا يستطيعون أبداً التوقف عن الضغط على زر التبديل في جهاز التحكم عن بعد، فهم أشخاص ملولون متضجرون من كل شيء حولهم، يعيشون حال اضطراب مزمن في حالتهم النفسية، ويفشلون دائماً في بناء علاقات مستقرة مع الناس، أما من يفضلون قنوات المسلسلات بأنواعها فهم بالتأكيد أحسن حالاً من أولئك، لكن هم صنف يعيش فراغاً كثيراً، وسعة من الوقت، وحسّيون، يحبون الإطناب والتفاصيل، ولا يميلون للأنشطة الحركية، وإنجاز الأعمال، ويعيشون حال قصص قبل النوم، وأهم حاجة عندهم هي مشاهدة الحلقة الأخيرة.
أما مشاهدو القنوات الإخبارية فيتنقلون بينها وحواراتها، فهم محبو صدارة اللقاءات، والاجتماعات، والأحاديث في المجالس... وأكثر ما يقهرهم هو سماع الأخبار من الناس قبل مشاهدتها على القنوات، أما من يفضلون مشاهدة القنوات الدينية، بغض النظر عما تعرض، ويرفضون ولو ظاهراً مشاهدة غيرها، فهؤلاء متدينون، أو هكذا يظنون، أو الصورة التي يريدون أن يظهروا بها بين المجتمع.
رياضيو المشاهدة التلفازية المتابعون للدورات والتحليلات، يعيشون هماً يستغرق كل تفكيرهم، ويجعل منهم أناساً تجاوزوا التسلية إلى الإدمان، والفرار من المشكلات اليومية والاجتماعية، والعمل على متابعة لا نهاية لها مع كل الدوريات والمنافسات!
تحمل معي عزيزي القارئ، بقي صنفان آتي عليهما، وأنتهي وهما: صنف مشاهدي القنوات الغنائية، يقلبون أسماعهم بين هذه وتلك، وربما هم يقلبون أنظارهم بين محاسن تلك الراقصة، وتلك في الفيديو كليب الذي يعرض ليعشوا حالة مستمرة من الأحلام الوردية والأماني والخيالات، يعيشون في ما بينها ويدمنون عليها، ويفرون من واقع بات لا يناسبهم، ولا يستطيعون العيش من دون سماعات الرأس في كل مكان حتى في دورات المياه!
الصنف الأخير هم محبو مشاهدة أفلام الحركة، والإثارة الذين باتوا يتابعون قنواتها المفتوحة والمشفرة بحثاً عن الجديد الذي تقذف به استوديوهات هوليود، يعانون من الضغط والتوتر، ويحبون العيش المستمر في حال الشد، مشروبهم المفضل هو القهوة والمنبهات، ومشروبات الطاقة، عندهم ثقافة أجنبية، وتقبل عالٍ للعولمة، ومفاهيم الحضارة والتحضر، وأسلوب الحياة الغربي المفتوح... تكون مشكلتهم أكبر لو استغرقوا في مشاهد أفلام تحفز حواسهم، وتحط من تفكيرهم، قد تؤول بهم لتصرفات لا أخلاقية.
هل بقي صنف آخر لم أذكره؟ ربما هم الأشخاص العمليون المستغرقون في أعمالهم وتجارتهم، وسرقتهم «الانترنت» بحيث لم يتبق إلا أوقات يسيرة لا تذكر ليشاهدوا فيها الفضائيات .