سنستفيد من «الخمسة»... بشرط؟!
جريدة الحياة - 18/02/08//
لا نقول إلا شكراً لحكومة خادم الحرمين الشريفين على هذا البدل المعلن أخيراً كزيادة في رواتب الموظفين والمتقاعدين على أثر الزيادات المتوالية الفاحشة، والتضخم العالي غير المسبوق، وتآكل الطبقة الوسطى من المجتمع، ودخول فئات وأعداد جديدة من المجتمع لشريحة المستجدين والمستعطين، ما شكل عبئاً إضافياً للمؤسسات والجمعيات الخيرية، وضغط على موارد الزكاة والصدقات المعتادة.
وسط كل النداءات والتراشقات السابقة، بالمطالبة بزيادة وبردها ورفضها من بعض العارفين بسبب خوفهم من ألا تأتي الزيادة في الراتب بأثر، لأن التجار والجشعين سيأكلون الخمسة، كما أكلوا الخمسة عشر الزيادة السابقة، وكانت المطالبات بتخفيضات ومراقبة للأسواق ودعم للسلع الأساسية، والحق كل تلك الحلول المطروحة والمقترحة أخذت بها الحكومة وأكثر، تعاملت مع المتغيرات بذكاء وتدخلت في الوقت المناسب وبطريقة هادئة متدرجة، لتوقظ الوحش الجشع التاجر الذي يريد أن يلتهم كل شيء. سبب اختيار الزيادة بخمسة في المئة، هو مناسبة الرقم لرقم التضخم المعلن، وهو أقل من خمسة في المئة في المجمل، لكن المقارنة بالتضخم إجمالاً قد لا تعكس تماماً الحاجة والمعادلة المعقولة في الزيادة، فمثلاً الزيادة في الأرز الحاصلة أكثر من 30 في المئة على رغم الدعم المعلن.
عموماً بخبرة بسيطة ستستمر اللعبة بطريقة يصعب السيطرة عليها، لعبة القط والفأر، لعبة اللعب بالأسعار، لعبة التعلل، لعبة فن أكل الراتب وسرقته من أصحابه، لكن ليس من سبيل للسيطرة على الغلاء الفاحش إلا بالله تعالى، ثم بوعي المستهلك الضعيف قبل المستهلك التاجر، لا سبيل لإيقاف كرة اللهب التي تأكل الأخضر واليابس إلا بعيش متزن، عيش على طريقة وارن بفت وغيره من التجار، وعلى طريقة عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، إذ المال والتجارة الكبيرة العريضة، لكن اتزان وتوازن وضبط للاستهلاك، وتعامل راقٍ مع المال بشريعة الزهد، إذ المال في اليد وليس في القلب، إذ عقيدة ونصيحة عمر رضي الله عنه «ماذا أبقيتم لأخراكم، أفكلما اشتهيتم اشتريتم؟ عقيدة من كان له فضل مال فليعد به على من لا مال له، وليس يشتري أثواباً لا يلبسها، وساعة فاخرة بالشيء الفلاني، وجوالاً مرصعاً بالألماس، وسباقاً في المظهرية الزائفة بين الرجال والنساء، كما قال تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً). بمثل هذه الأدبيات سيقع ضبط الأسعار، أما وسط استهلاك لأجل الاستهلاك، وتسوق لأجل التسوق، وقلب للموازين بحيث يكون التسوق والتبضع تمشية وتسلية وإتلافاً للأموال، حتى قيل إن ثلث سلة التسوق التي يدفعها الناس في مراكز التسوق الكبيرة هي لكماليات وأشياء زائدة على الحاجة، ربما تدخل في صنف، ربما في يوم من الأيام نستخدمها أو نحتاجها... طريقة تسوقنا فيها تحدٍ سافر لكل الرواتب والموازين، خصوصاً الذين يتسوقون ببطاقات الائتمان، أو بطريقة أخذ القروض تلو القروض... لقد غدا أكثر الناس بشكل أو آخر مديناً أو يوشك أن يكون، وأقساط منوعة من الأثاث والسيارة والمنزل ورحلة الصيف... الآن تتعالى النداءات في الحد من التضخم والغلاء بالحد من الصرف الحكومي العالي، وكذلك ضبط القروض المغرية التي تقدمها المصارف والبنوك لتقليل السيولة العالية التي في أيدي الناس وسببت بشكل مباشر تضخماً في سعر كل شيء.
الشرط الوحيد لكي تجدي زيادة الخمسة في المئة وتكون بها البركة، هو الاتزان في الصرف والاستهلاك والوعي في ذلك، وعدم مقابلة الزيادة بالزيادة، بل لا بد من موجة صيام، موجة بخل، موجة يحضر فيها العقل، موجة نسمع لعمر بن الخطاب «رضي الله عنه» حين شكا له الناس غلاء اللحم فقال لهم: أرخصوه أنتم بمقاطعته... النداءات برسائل الجوال ضد سلع معينة ومواقع الانترنت، البدائل ليست هي ما أعني هنا، ولكن أعني الوعي والاتزان المطلوبين، كي نستفيد من الخمسة في المئة ولا يحرقها هجمتنا الشرائية الفرحة بالخمسة وما سيأتي بعدها... برجاء حاولوا ضبط مصروفاتكم، ضبط أعطياتكم لأطفالكم... أعطياتكم لزوجاتكم، فالزوجات والأولاد أكثر ما يأتي على الراتب... فهل نستجيب؟!
جريدة الحياة - 18/02/08//
لا نقول إلا شكراً لحكومة خادم الحرمين الشريفين على هذا البدل المعلن أخيراً كزيادة في رواتب الموظفين والمتقاعدين على أثر الزيادات المتوالية الفاحشة، والتضخم العالي غير المسبوق، وتآكل الطبقة الوسطى من المجتمع، ودخول فئات وأعداد جديدة من المجتمع لشريحة المستجدين والمستعطين، ما شكل عبئاً إضافياً للمؤسسات والجمعيات الخيرية، وضغط على موارد الزكاة والصدقات المعتادة.
وسط كل النداءات والتراشقات السابقة، بالمطالبة بزيادة وبردها ورفضها من بعض العارفين بسبب خوفهم من ألا تأتي الزيادة في الراتب بأثر، لأن التجار والجشعين سيأكلون الخمسة، كما أكلوا الخمسة عشر الزيادة السابقة، وكانت المطالبات بتخفيضات ومراقبة للأسواق ودعم للسلع الأساسية، والحق كل تلك الحلول المطروحة والمقترحة أخذت بها الحكومة وأكثر، تعاملت مع المتغيرات بذكاء وتدخلت في الوقت المناسب وبطريقة هادئة متدرجة، لتوقظ الوحش الجشع التاجر الذي يريد أن يلتهم كل شيء. سبب اختيار الزيادة بخمسة في المئة، هو مناسبة الرقم لرقم التضخم المعلن، وهو أقل من خمسة في المئة في المجمل، لكن المقارنة بالتضخم إجمالاً قد لا تعكس تماماً الحاجة والمعادلة المعقولة في الزيادة، فمثلاً الزيادة في الأرز الحاصلة أكثر من 30 في المئة على رغم الدعم المعلن.
عموماً بخبرة بسيطة ستستمر اللعبة بطريقة يصعب السيطرة عليها، لعبة القط والفأر، لعبة اللعب بالأسعار، لعبة التعلل، لعبة فن أكل الراتب وسرقته من أصحابه، لكن ليس من سبيل للسيطرة على الغلاء الفاحش إلا بالله تعالى، ثم بوعي المستهلك الضعيف قبل المستهلك التاجر، لا سبيل لإيقاف كرة اللهب التي تأكل الأخضر واليابس إلا بعيش متزن، عيش على طريقة وارن بفت وغيره من التجار، وعلى طريقة عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، إذ المال والتجارة الكبيرة العريضة، لكن اتزان وتوازن وضبط للاستهلاك، وتعامل راقٍ مع المال بشريعة الزهد، إذ المال في اليد وليس في القلب، إذ عقيدة ونصيحة عمر رضي الله عنه «ماذا أبقيتم لأخراكم، أفكلما اشتهيتم اشتريتم؟ عقيدة من كان له فضل مال فليعد به على من لا مال له، وليس يشتري أثواباً لا يلبسها، وساعة فاخرة بالشيء الفلاني، وجوالاً مرصعاً بالألماس، وسباقاً في المظهرية الزائفة بين الرجال والنساء، كما قال تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً). بمثل هذه الأدبيات سيقع ضبط الأسعار، أما وسط استهلاك لأجل الاستهلاك، وتسوق لأجل التسوق، وقلب للموازين بحيث يكون التسوق والتبضع تمشية وتسلية وإتلافاً للأموال، حتى قيل إن ثلث سلة التسوق التي يدفعها الناس في مراكز التسوق الكبيرة هي لكماليات وأشياء زائدة على الحاجة، ربما تدخل في صنف، ربما في يوم من الأيام نستخدمها أو نحتاجها... طريقة تسوقنا فيها تحدٍ سافر لكل الرواتب والموازين، خصوصاً الذين يتسوقون ببطاقات الائتمان، أو بطريقة أخذ القروض تلو القروض... لقد غدا أكثر الناس بشكل أو آخر مديناً أو يوشك أن يكون، وأقساط منوعة من الأثاث والسيارة والمنزل ورحلة الصيف... الآن تتعالى النداءات في الحد من التضخم والغلاء بالحد من الصرف الحكومي العالي، وكذلك ضبط القروض المغرية التي تقدمها المصارف والبنوك لتقليل السيولة العالية التي في أيدي الناس وسببت بشكل مباشر تضخماً في سعر كل شيء.
الشرط الوحيد لكي تجدي زيادة الخمسة في المئة وتكون بها البركة، هو الاتزان في الصرف والاستهلاك والوعي في ذلك، وعدم مقابلة الزيادة بالزيادة، بل لا بد من موجة صيام، موجة بخل، موجة يحضر فيها العقل، موجة نسمع لعمر بن الخطاب «رضي الله عنه» حين شكا له الناس غلاء اللحم فقال لهم: أرخصوه أنتم بمقاطعته... النداءات برسائل الجوال ضد سلع معينة ومواقع الانترنت، البدائل ليست هي ما أعني هنا، ولكن أعني الوعي والاتزان المطلوبين، كي نستفيد من الخمسة في المئة ولا يحرقها هجمتنا الشرائية الفرحة بالخمسة وما سيأتي بعدها... برجاء حاولوا ضبط مصروفاتكم، ضبط أعطياتكم لأطفالكم... أعطياتكم لزوجاتكم، فالزوجات والأولاد أكثر ما يأتي على الراتب... فهل نستجيب؟!