صلعتا بريتني ... و زيدان !
عبد المنعم الحسين الحياة - 01/05/07//
أعجب، ولم يعد شيء من جيلنا الحالي مستغرباً في اتجاهاتهم، وولعهم برموز تصنعها لهم الآلة الإعلامية، وتعلقهم بتلك الرموز، وتحركهم نحوها، وتتبعهم لأخبارها وتشبههم بها في كل حركاتها وملابسها، ومعرفة أدق التفاصيل عن حياتها، ويصبح ذلك النجم المصنوع محركاً للشباب يمنة ويسرة في أزيائهم واهتماماتهم!
من الطبيعي توجه من هم في مرحلة سن المراهقة من الجنسين نحو البحث عن قدوة ورمز وانتماء، لكن من غير المعقول أيضاً أن نخسر شبابنا ليكونوا جيلاً ضحلاً مهزوماً... وأكثر من ذلك أن يكون مسخاً في زيه وفكره وشكله، بعيداً في مظهره وزيه عن الشكل المعتاد عليه في المجتمع من الزي الوطني، بل أكثر من ذلك ثورة كبيرة في نفسه على كل ثقافة البلد وأفكاره، وغسيل كامل لعقله وأفكاره حتى أنه يحلم بالعيش خارجاً بعيداً عن جو التعقيد الذي هنا!
المغنية الأميركية الشابة المطلقة برتيني سبيرز، ذات العشرين خريفاً، غدت شاهداً من شواهد إفلاس الحضارة الأميركية، حين انهارت المليونيرة الصغيرة وتحطمت نفسيتها ومعنوياتها لتقوم بقص شعرها على «الزيرو» وتكون صلعاء تماماً... وصدمت معها كل الممسوخين المنسلخين من ثقافتهم وأصولهم وأفكارهم، المتوجهين بكلياتهم نحو التقليد الأعمى، والتعلق، والافتتان بالشكل والحركات... بل حتى لا يفهمون من كلمات الأغاني التي يسمعونها بالصوت الصاخب العالي المزعج لمن حولهم وإنما يرددون ويترنمون بلا وعي أو إدراك لتلك الكلمات التي قد يكون في معانيها سب أو شتم لهم.
الواقع يحكي قمة إفلاس، قمة ليس بعدها قمة، إلا منظر المتجمهرين بسياراتهم الغريبة الأطوار، وأشكالهم الغريبة، وهم يتحركون بحركات غير منتظمة تدعى بالرقص على وقع صخب الأصوات العالية، وتصفيق وتشجيع من أصحابهم، ولا يستطيعون بذلك تقديم أي استجابة لنصح أو توجيه، وكأنهم كما قال الله تعالى عن قوم في محكم تنزيله: (كلا بل ران على قلوبهم)، أضحوا بعيدين على رغم أنهم يعيشون بين ظهرانينا. أضحوا شكلاً من أشكال الأمراض العصرية المستعصية التي يصعب معالجتها حيث يكون المدخل إلى نفوس هؤلاء الشباب ومعرفة مفاتيح قلوبهم شيئاً من الصعوبة بمكان، تحتاج تلك الأقفال إلى شفرة خاصة لا يجيد التعامل معها إلا القلة من المربين الموفقين لكي يداعبوا تلك القلوب بكلمات وإشارات سهلة ممتنعة، يوفق الله لها من شاء من عباده لينفثوا الروح في تلك القلوب الصدئة التي ابتعدت كثيراً عن هويتها لترجع من جديد عناصر إيجابية منتجة مفيدة لذواتها بداية، ومن ثم مفيدة لمن حولها ومجتمعها ووطنها بدلاً من أن تكون عالة متسكعة على الطرقات، تملك فقط موهبة فن الضياع والتوهان!
أتساءل بيننا هذه المواهب التي يسلط عليها الإعلام هنا وهناك، ويشد ويلفت نظر الناس إليها، مثلما هو حاصل مع لاعب الكرة الفرنسي، الجزائري الأصل، المسلم الديانة، زين الدين زيدان، أما يُشكل لوناً من ألوان وأشكال الجاذبية والاقتداء حتى لو لم يكن كاملاً، أو كما ينادي به دعاة السلفية والمدرسة الدينية الدعوية من مطالبة بقدوات من الصحابة والسلف الصالح... ليس بصعب أن تتداعى القدوات أو يتم التدرج البنائي المتأني، الملائم لتلك الشريحة التي تحدثت عنها في المقدمة وأصبحت شكلاً معايشاً موجوداً نعاني من وجوده في جامعاتنا ومدارسنا، وتظهر معالمه بوضوح في أرصفة الشوارع، وأشكال المركبات التي تقل مثل هذه النوعية التي تعيش شكلاً من أشكال الهزيمة الثقافية أمام الحضارة الغربية خصوصاً، وفي ظل تشويش مدرسة الإرهاب على بوصلة التفكير عند أولياء الأمور والمربين الذين أضحوا يتوجسون خيفة من مظاهر التدين التي تبدو على الشاب أكثر من مظاهر الانفلات التي تبدو على الشباب نظراً للخطر الواضح في الأول، والخطر الخفي في النوع الثاني. ولقد أحسنت صنعاً بعض المدارس الثانوية للبنين أو البنات في استضافة شخصيات لامعة في المجتمع من تجار، أو موهوبين في الكرة أو غيرها عرفوا بالوسطية والاعتدال والوطنية المنتجة للالتقاء بالشباب والاحتكاك بهم، فهي طريقة مؤثرة موجهة، أقوى تأثيراً من رصاصة الإعلام. ولا يزال معنا مزيد من الوقت لمعالجة الموقف، فقط فلنعمل باهتمام.