الميزان التجاري وقرارات المستهلكين بالشراء
عبد المنعم الحسين الحياة - 02/04/07//
بكم هذه؟ وما صناعتها؟ وهل تتوافر لها قطع غيار؟ هذه أمثلة للأسئلة التي يتوجه بها الزبائن عادة إلى الباعة، وعليها يحددون قرارات الشراء أو عدمه، وبعيداً عن الأسئلة عن الأسعار والجودة والضمان وهي منطقية... يأتي السؤال عن بلد التصنيع وهو ما يدعونا للتساؤل: ما الذي ستؤثر فينا كمستهلكين معرفة بلد التصنيع والإنتاج؟.
نعم هناك من يقرر الشراء وفق معلومات معينة وانطباعات خاصة اختزنتها ذاكرته عن جودة صناعة بلد ما وقوة منتجات بلد آخر، ومعظم هذه الصور الانطباعية الذهنية تاريخية، بعدها يرجع إلى عقد السبعينيات من القرن الماضي واستمرت معنا إلى أن دخلنا قرن الألفية الثالثة... فمن الذي كرس مثل هذه الأحكام «المؤبدة» التي تصف منتجات بلد معين بعدم الجودة ومنتجات بلد آخر بالجودة؟
هناك كثير من الشركات تراهن الآن على ذكاء المشتري وخبرته، وأن العولمة والسوق المفتوحة، وخيارات الشراء العالمية من الانترنت، وقنوات المبيعات الفضائية، والاتفاقات العالمية لضمان تدفق السلع والمنتجات، والتجارة الحرة غيّرت قواعد السوق، لكن المشاهد في طريقة شراء الزبائن الحالية خصوصاً النساء لا زالت بعيدة عن التأثر بالانفتاح والتقدم الصناعي في بلاد غير المعتادة وغير المعروفة بجودة الانتاج.
ومن القوانين الغريبة التي تتحكم في قرارات شراء السلع قانون العاطفة من ناحية والمواقف السياسية من هذه الدولة المنتجة أو تلك، ويظهر هذا جلياً في مقاطعة سلع العدو الصهيوني والمقاطعة العربية - التي تفككت - ولم تعد فاعلة ضد الشركات التي تتعامل مع إسرائيل التي أخذ الكثير من منتجاتها يتسرب إلى هذه الدولة العربية أو تلك بطريقة إعادة التصدير وعمليات غسيل السلع!
ومن شواهد تأثر قرارات الشراء بالعواطف ما حصل من اهتزاز كبير في مبيعات الدنمرك في الدول العربية والإسلامية في أزمة نشر الرسوم المسيئة للرسول «صلى الله عليه وسلم» والتي لازالت تعاني منها الشركات الدنمركية، بل وبعض الشركات السعودية التي تأسست على نظام شراكة أو تعاون دنمركي سعودي، فأصبح المشتري يمتنع عن شراء المنتجات الدنمركية ويقاطعها، ويقاطع المتاجر التي لم تتوقف عن بيع المنتجات الدنمركية.
تلك المتغيرات والقوانين التي سنها المستهلكون في شراء السلع والمنتجات لا نجد بينها قانون الميزان التجاري بين الدول، وهو ميزان حساس لا يعير الكثير من الناس أرقامه المعلنة بالاً واهتماماً، مع أن عملية البيع والشراء القديمة كانت تعتمد عليه بشكل كبير جداً، إذ تتبادل السلع والمنتجات وليس النقود، أعطيك حليبا مقابل الخبز، وإن كانت الدول والسياسات بينها بالتأكيد تراعي الميزان التجاري وأرقامه، إذ تكون خيارات جلب العمالة من بلد معين وتقليلها من بلد آخر، وتوقيع عقود شراء الأسلحة وتجهيزات البنى التحتية والبعثات ومثل تلك المفاصل بأرقامها الكبيرة تتحكم بها السياسة أكثر من الاقتصاد أو قانون الشراء البسيط الذي يعمل به المستهلك العادي.
عدم احتفال المستهلك بالميزان التجاري، واختلال توازنه بين دول تقبل على شراء منتجاتنا وفي ذات الوقت نقاطع شراء منتجاتها من غير ما سبب مقنع لا في الجودة ولا الخدمة ولا السعر، ودول أخرى نتهافت على الشراء منها، إلى ما يشبه تقديس منتجاتها الباهظة الثمن والكلفة مع أنها تكاد ترفض كل منتجاتنا بلا سبب واضح غير مشاعر الكراهية لنا ولعاداتنا!
إن عدم وجود الوعي الوطني بالموازين والمصالح التجارية والاقتصادية يجعل من عمليات الشراء العادية التي يمارسها المستهلكون تحتاج إلى توعية موازنة يفترض أن يضيفها المستهلك إلى مؤثرات قرارات الشراء التي يجب أن تكون الأولوية فيها للمنتج المحلي، ثم لمنتجات الدول الصديقة التي نشترك معها في عوامل مشتركة من المصالح القريبة والبعيدة، مع اعتبارات نقاط مشاركة أو مقاطعة عاطفية مثل الدين والعروبة والجوار والتاريخ.