حملة المسعى
نشرت في جريدة الأخبار
مشكلة تعوّد المدرسة الدينية في السعودية هي سنوات الرأي الواحد في المسائل الفقهية والإفتاء ، وربما كانت ثقافة المجتمع السعودي أيضا تبنى على الترويج الفقهي لاسم أو اسمين لعلماء كبار ، وكأنهم يقولون كل لا يؤخذ من كلامه بل وكلامه مردود عليه إلا ما قال به فلان أو فلان من العلماء الكبار ، ذلك الوضع الاحتكاري في الرأي الديني والفتوى هو عرض لمشكلات حدية عانى منها المجتمع وعانت منها الثقافة وأساليب التفكير والطرح .
العلماء أنفسهم وطلبة العلم جزء لا يتجزأ من المشكلة حيث إنهم روّجوا لهذه الفكرة وكرّسوها بتواضعهم و تملّقهم المستمر بالترويج لذات الأسماء والثناء المستمر عليها و الاكتفاء بنقل كلامها وفتاواها وأحكامها ، أكثر من ذلك أن الممارسة هذه تقع على المنابر وفي المؤلفات الصغيرة ، وفي الأشرطة السمعية ، وأوراق العمل في المؤتمرات والملتقيات والندوات واللقاءات الإذاعية ، بل امتد عند الكثير منهم التسويق المركّز حتى في قاعات الجامعة والدراسات الأكاديمية بحيث يكتفى عن الآراء والنقولات والمذاهب والأحاديث والاستنباطات بطرح الآراء المقدّسة والاكتفاء بها وعند البعض يقوم بطرح الآراء من القديم والحديث ثم يختم بآراء المدرسة الفقهية السعودية وكأنها القول الفصل .. القول الترجيحي ... القول النهائي الذي يختم به وهو الحق الأوحد الذي يسلّم له العقل والنقل والفطرة والطمأنينة الكاملة حسب ما يعبر عن ذلك بقولهم الرأي الذي تطمئن له النفس .
وعزز من وجود مثل هذه الممارسات استعجال المستمعين والمتلقين وتجاوزهم الطرح العلمي للمسائل الفقهية بل يطلبون من المتحدث اختصارا للوقت أن يلغي تلك الفقرة ويتوصل مباشرة لما هو المعتاد أن يختم به بذكر النقولات الحدّية بذكر أقوال الشيخين في المسألة .
ربما كان للإعلام والمؤسسات الربحية وربما المؤسسات الرسمية أدوار شبيهة لهذا الدور في تكريس هذا المفهوم من حيث التركيز والهالة وتسليط الأضواء على أخبارهم ومناشطهم وإغفال غيرهم ، والمؤسسات الربحية بطباعة إنتاجهم وتسويقه وتجاهل غيرهم من العلماء على المستويين المحلي ( السعودي ) والعالمي من هيئات ومذاهب وعقائد كلها تنتمي للمذاهب الأربعة وكلها عقديا لأهل السنة والجماعة وتسجيل حالة وجبة ما بعد الإشباع والتشبع والتحلية بهم وإقصاء شبه كامل للرأي الفقهي الآخر ، ولعل من المشاهد أن فاعلي الخير أيضا تحت هذا الضغط المتمركز هم أيضا وجّهوا أعمالهم الخيرية نحو تلك الشخصيات وحدهم بالنشر والطباعة والوقوفات الخيرية على الإنتاج العلمي لشخصيات معينة محدودة جدا كرّست تلك المشكلة التي لم نكن نشعر بها أو نتجاهلها ونتعايش معها ركوبا مع الموجة وخوفا من الإقصاء الكريه الممارس داخل منظومة المجتمع .
حقيقة لم تكن الحدية تمارس بطريقة أديبة ومؤدبة بل كثيرا ما تفتقد اللباقة والذوق مع العلماء وأهل العلم الراسخين في العلم الذين شهدت لهم الأمة بعلو كعبهم في ذلك بل يقلل منهم ومن أمانتهم وأنهم يأتون بفتاوى عجيبة وأنهم يفتون تحت ضغط من جمهورهم أو معايشتهم أو حتى أنظمتهم الحاكمة هناك ، ويعطون في ذات الوقت العصمة الكاملة التي لا يعطاها بشر ، بل حتى المعنيين يتبرؤون منها .
تلك المشكلة التي تسببنا فيها الآن بدأنا نعاني منها ومن آثارها ومن قيودها على المجتمع واتجاهاته العصرية ، ومواكبة المستجدات ، بحيث بدأنا نعاني من الطوق والقيد الذي صنعناه بأنفسنا وأخذ يضغط على حلوقنا ويكتم أنفاسنا ونتململ منه ويقيدنا نحو الأرض ويجعلنا نتعثر في سيرنا وانطلاقتنا نحو الغد المشرق لمشاريع الوطن وخدماته ، بلد كالسعودية يشكل زاوية مهمة في كل شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والدينية في بلاد العالم لا يصح أبدا أن يكون مقيدا فكريا تحت إمكانات وطاقات محلية فقط ، يجب أن نستفيد من كل مقدرات العالم وليس مقدراتنا فقط خاصة ونحن لسنا بمعزل عن العالم ولا نعيش لأنفسنا فقط بل هكذا قدرنا بأن نكون عالميين وقدرنا بأن نكون في بؤرة الحدث والعالم كل العالم يتأثر بكل أيدلوجياتنا ، فمن الطبعي أن نعيش سادة ونتقدم بقوّة ونعيش بانفتاحية ولا نغلق الأبواب ونوصدها .
ما حدث مؤخرا من الانتقاد الداخلي المحدود لمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله في توسعة المسعى ، بالتأكيد لم ينطلق الملك فيه ويمضي إلا بعد تفكير عميق واستماع للأفكار والآراء كما هي عادته ، لكن أن يكون هناك استنكار وشجب لهذا المشروع الحيوي والمهم بل ودعوة قوية للتراجع وأكثر من ذلك : محاولة لثني الناس عن أداء شعيرتي العمرة والحج وأنها باطلة في حال أدّيت في المسعى الجديد ... لا شك أن هذا هو عرض للمشكلة السابقة ، ولذلك يلاحظ المراقب أنّ الحملة المضادة التعريفية التي انطلقت مؤخرا في كل القنوات الإعلامية الرسمية مثل الصحف المحلية وبصفحات كاملة بالآراء الفقهية على المستويين المحلي والعالمي لجأت لنشر الآراء الفقهية بعالميتها الواسعة ولم تقتصر على نقل آراء العلماء السعوديين فقط .
أحصيت من نقل عنهم من المفتين والعلماء والدعاة ومشايخ الفتوى من أصحاب الهيئات العلمية الأكاديمية من حملة شهادة الدكتوراة وما أعلى منها من الألقاب العلمية الذين لجأت الحملة للنقل عنهم ونقل حديثهم وتعليقاتهم على الموضوع والمؤيدة لمشروع التوسعة وتقول بصحة المسعى وتدعو لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وتدعو للسعودية ككل بالتوفيق والخير على خدمتها للمسلمين والتوسعة عليهم ... أقول أحصيت أكثر من 40 داعية وعالم ورؤساءمجالس علمية ومنظمات وهيئات من غير السعوديين ، فمن درس موضوع المسعى ..دعونا نعيش العالمية في الفتوى واحترام الآراء الفقهية الأخرى وعلماء الدول الأخرى وتكريس تلك الثقافة في المجتمع