السبت، أغسطس 27، 2016

النسبة الإدارية من التبرعات الخيرية

نشرت في موقع مداد الدولي المتخصص في أبحاث ودراسات العمل الخيري http://medadcenter.com/articles/395 

تقوم فكرة الأعمال الخيرية سابقا على صفرية التكاليف الإدارية في أموال التبرعات، بمعنى لو افترضنا أن تاجرا عنده مبلغ معين يريد أن يفرقه على الفقراء فالأصل أن يذهب بالمال للفقراء الذين حددهم سلفا،ويسلمهم تلك المبالغ، لكن ماذا لو تغيرت الطريقة إلى الآتي: التاجر أَوْكل مهمة توزيع زكاته لمؤسسة خيرية، فهناك موظفون سيقومون بتوزيعها وحسابها، وحصر الفقراء، ودراسة حالتهم والأوراق والمستندات وتكاليف الانتقال والاتصال، يعني هناك عمليات عدة تقوم بها المؤسسة الخيرية لإنجاز عملية توزيع زكاة ذلك التاجر، تلك العمليات الحقيقة هي تكاليف مادية ينبغي أن ينتبه لها المتبرع ويتفهم ذلك الدور وتلك المسألة . المؤسسات الخيرية الغربية بالخارج تستقطع من التبرعات نسبة مختلفة قد تصل - أحيانا - في بعض المؤسسات إلى 70% من المبلغ ليذهب مصاريف إدارية، وهي تقريبا نفس الفكرة لو غيرنا النظرة إلى أن إدارة التبرعات من قبل المؤسسات الخيرية تشكل خدمة، وأن المؤسسات الخيرية الحقيقة أنها تبيع خدمة للمجتمع وللمتبرع ولشركات المسؤولية المجتمعية، ولو نظرت لنفسها بنفس طريقة الشركات والمصانع فنجد أن المصنع الذي ينتج السلعة المعينة من صناعتها وحتى تنتقل إلى المستهلك تمر بعمليات عدة وانتقالات من المستودعات للتسويق إلى للجمارك للموزع وتاجر الجملة وبائع التفرقة، حتى تصل في تكلفتها للمستهلك النهائي،أي 90% من سعرها هو عمليات وأرباح، بينما سعر التكلفة الأصلي من المصنع لا يزيد عن 10% من السعر النهائي للتكلفة . تلك النظرة تبرر استقطاع تلك النسبة، لكن يحتاج الأمر لضبط تلك النسبة ومقدارها، ففي حين نجد بعض شركات الاتصالات التي تسوق منتجات التبرعات عبر الرسائل تستقطع نسبة 70% من قيمة التبرع لتصل للمؤسسة الخيرية فقط 30% منها .لكن تتواضع النسب في الدول العربية عموما حتى نجدها تتراوح بين 16% إلى 30% كحد أعلى، وهي نقطة إيجابية في ميزان العمل الخيري في الدول الإسلامية والدول العربية خاصة، حيث نجد تضاؤل النسبة، بل بعض المؤسسات الخيرية تستغني عنها عن طريق بعض الاستثمارات والأوقاف التي تصرف على المؤسسة؛ مما يحقق صفرية الاستقطاع، لكن كفكرة تطوير وتحسين للخدمة من المناسب جدا تحديد نسبة معينة للعمليات الإدارية لا تتجاوز 20% ، وبالنسبة للمتبرع فعليه ألا يحزن حيث أجره باق؛ذلك أنالمبلغ المقتطع من تبرعه هو تبرع للمؤسسة الخيرية بلا شك . ومن النظرة الشرعية لذلك الاستقطاع النسبي للتبرعات، كما أنقله عن موقع (الإسلام ويب/ رقم الفتوى 50816) أنه يجيز استقطاع تلك النسبة، ولا يشترط إخبار المتبرع بذلك وأخذ موافقة منه على ذلك، وأنه يجوز صرف تلك المبالغ في أبواب الرواتب والمكافـآت للموظفين . وأعجبني في لقاء جمعني بأحد نظار مؤسسة خيرية مانحة أنه قال:" أنا أطلب من المؤسسة الخيرية المنفذة للمشروع أن تعد ميزانية المشروع شاملة التكلفة الحقيقية + المصاريف الإدارية + الأمور التي يراد اكتسابها أو تحقيقها أو تأمينها على حساب المشروع، مثل: حواسيب، أو هواتف، أو آلات تصوير، أو ما سواها من معدات، ويكون ذلك واضحا، ولا مانع عندنا من وضوح ذلك في ميزانية المشروع؛ حتى لا تقوم المؤسسة الخيرية بالمبالغة في تقدير تكاليف المشروع؛ حتى تحقق الفوائد المرجوة منه لأعمال المؤسسة" . أيضا في لقاء مع أحد القائمين على مؤسسة خيرية مانحة يقول:" على المؤسسة المانحة أن تقدر التكاليف الإدارية في تقديم أي تبرع لدعم لمشروع أيا كان؛ حتى لا تقوم المؤسسة بالتبرع للمتبرع بتلك الأعمال الإدارية وتكاليفها التقديرية مالا".

الثلاثاء، أغسطس 02، 2016

المؤسسة الخيرية في الكأس الزجاجي

نشرت في موقع مداد الدولي المتخصص في دراسات وأبحاث العمل الخيري
http://medadcenter.com/articles/392
المتابع والمهتم لشؤون العمل الخيري سيلحظ الطرح الجديد وتعالي النداءات للشفافية والوضوح وحوكمة المؤسسات الخيرية جنبا إلى جنب نداءات مكافحة الفساد ومفاهيم المشاركة في القرار والنزاهة ووحدة المصير،إلى آخره من مفاهيم الحريات والثقافة العصرية الحديثة، وربما كان من المسببات التي سارعت بظهور تلك النداءات روح الربيع العربي والأحداث والمستجدات، ولعل أهم من ذلك كله أحداث 11 سبتمبر، وكيف فتحت ملفات المؤسسات الخيرية وأرقامها، بل وتعدت ذلك إلى تتبع متبرعيها ومموليها، بحيث لا تبقى ورقةقد التوت. ولعل مما سبب ذلك هو جرائم الإرهاب، وغسيل الأموال، وتسلل بعض تلك الأموال إلى الجهات الخيرية استغلالا لطيبة إداراتها والمتنفذين فيها..وحدّاً من ذلك كان لابد من أنظمة التعاون والتنسيق والربط بين الجهات الخيرية والقطاعات الحكومية والجهات الدولية مراقبة أموال ومشاريع المؤسسات الخيرية، ومن الأشياء التي يتم التنسيق فيها مصادر البيانات، والوصول إلى المعلومات، والاطلاع على التقارير السنوية، والتفتيش، والزيارات الميدانية، والموارد البشرية، وأولويات تطوير النظم الرقابية، مع التأكيد على أهمية التواصل الفعال مع قطاع المنظمات غير الهادفة للربح، وتنظيم تسجيل المؤسسات الخيرية، وتشجيع الالتزام بالضوابط الرقابية... يقول عبد الرحمن المطوع - أمين مؤسسة السعفة، التي تستهدف نشر مفاهيم الحوكمة والشفافية والعدالة والمحاسبة -:"إن المؤسسات والجمعيات تأتي بالدرجة الثالثة بعد الجهات الحكومية والخاصة؛ حيث إن ضررها سوف يخل بالمجتمع وبالمستفيدين منها، و لما تواجهه الجمعيات والمؤسسات الخيرية بالسعودية من مخاطر في ظل عدم وجود رقابة وآليات تضمن حق المتبرعين، وصرف بعض الجمعيات مبالغ في غير وجوه حق، واستغلال بعض النفوس الضعيفة لتلك الجهات. ولتلك الحاجات الماسة تبنت مؤسسة السعفة مشروع ومبادرة نشر تلك المفاهيم في الأوساط الخيرية، بعمل لائحة خاصة بذلك، فالمشروع يهدف لتقليص الخلل والسلبيات بتلك المؤسسات، عبر تنظيم العمل الخيري، بما يراعي احتياجات الفقير والمريض والمحتاج، وغيرهم. وقد أطلقت مؤسسات سعودية مبادرة لمشروع لائحة استرشادية لحوكمة المؤسسات والجمعيات الخيرية بالبلاد، تضم في طياتها مجموعة من القوانين والنظم والقرارات، بهدف تحقيق الجودة في الأداء، عبر اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف المؤسسة في القطاع الخيري محليا. أظن أن هذا المفهوم المتقدم سيضمن حق المستفيد والمتبرع والشؤون الإدارية والموارد البشرية لدى المؤسسات والجمعيات الخيرية، ومن الممكن بعد ذلك نشر الآلية التي يتم التوصل لها بعد تطبيق المشروع لقياس أداء تلك الجهات من زاوية الشفافية والحوكمة . أرى أن تلك المبادرة وبأهدافها المعلنة، التي بادرت بها مؤسسة السعفة بشراكة مع مؤسسة الأميرة العنود الخيرية، تعمل على إنجاز دليل استرشادي يتضمن سياسات و قواعد وإجراءات لتعزيز الشفافية والنزاهة، وإرشادات لتطبيق واضح كي يتم اتباعها في الجمعيات والمؤسسات الخيرية في المملكة، بالإضافة إلى نماذج وآليات تيسر تبني وتطبيق عناصر اللائحة. ويسعى المشروع الذي يعمل لإنتاج تلك اللائحة لتطوير بنية إدارية وتنفيذية تعمل وفق المبادئ الأنظمة المعنية في السعودية، وتحقق مبادئ الشفافية والنزاهة والعدالة والمساءلة في الجمعيات والمؤسسات الخيرية لخدمة كافة المعنيين في هذه المنظومة، ولتساهم بشكل فاعل في تحقيق أقصى درجة من أهدافها بكفاءة ومسؤولية وأمان. تهدف تلك اللائحة لتحقيق الأهداف الأساس التي شرعها الدين الإسلامي فيما يخص العمل الخيري الذي لا تستقيم حياة المجتمعات إلا باستقامته. الإطار والمرجعية التي ستحكم تلك اللائحة هي الأنظمة الحكومية السارية، وسيحوي المشروع مراحل للتطبيق والممارسة، وسيستفيد من كافة المعلومات والمراجع السابقة والمحدثة في صياغة اللائحة، وسيأخذ في الاعتبار الاستفادة من الخبرات الدولية والإقليمية التي تثري المشروع. وبعد تجربته عمليا، وإجراء التعديلات عليه ليكون متوافقا للتطبيق العملي، ربما يصبغ بالصيغة شبه الإلزامية، أو على الأقل يكون دليلا معتمدا من قبل مقام وزارة الشؤون الاجتماعية للاسترشاد به من قبل تلك المؤسسات الخيرية للتحول نحو المؤسسات ذات الشفافية وإطار الحوكمة .