الثلاثاء، أغسطس 26، 2008

اللهاية والبرميل

اللهّاية... و«البرميل»
النص الكامل للمقالة بدون حذف
عبدالمنعم الحسين الحياة - 26/08/08//
تذكرت كتابة قديمة للكاتب الكبير عبدالله باجبير تناول فيها مشكلة الاتجاه الحاد من الفتيات نحو النحافة وبرامج الحمية والرياضة والتنافس في مشابهة تماثيل عارضات الأزياء النحيفات جدا ، فكلامه عن الذائقة العربية أو ذوق العربي في اختيار فتاة أحلامه كزوجة وهو اختيار الفتاة الممتلئة وأن الفتاة النحيفة - حتى لو كانت جميلة - فستكون بالنسبة للعربي مثل اللهاية في فم الرضيع تسكته وتسليه لكنها أبدا لا تشبعه !
حديث الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أيضا كان يصب في ذات المصب بأنّ فتاة المودل التي تعرض حاليا في قنوات العروض والأزياء لا تلفت العربي وأن العربي القح لا يزال يحبّذ ريانة العود ويتغنى بجمال الهيفاء وعدد في أوصافها وأشعار كثيرة مبالغ فيها وصف سمنة الفتاة وامتلائها حتى أن بعضهم يقول : إنها لا تستطيع القيام إذا جلست وتحتاج إلى مساعدين ومساعدات لرفعها من مكانها وأنها نؤوم الضحى ومن تلك الأشعار والأوصاف أنقل لكم هذا الوصف العجيب :
أبت الرّوادف والثُّدي لقمصها مس البطون وأن يمسن ظهورا
عجيب صورة متخيلة مبالغة عالية من الشاعر لتلك الحالة المستعصية ،
بالتأكيد الشاعر المغرم بالمتينات لا يعني أبدا البراميل التي نشاهدها لا تكاد تستطيع أن تسير مسافة مترين إلا وتلهث من التعب أجهدها النوم المتواصل والاتكاء المستمر على الفرش والأثاث المنعّم والانتقال على مقاعد السيارات الفارهة ومواصلة إدخال الطعام الدسم وخلطه بالحلو ورش لا ينقطع بالعصائر والمشروبات الغازية والمأكولات الخفيفة ، حتى غدت السمنة سمة خاصة بالمرأة السعودية وصورة ذهنية عنها قدرت بعض الدراسات بأن سمنة النساء في السعودية وصلت إلى نسبة 60% ، وكثير من أسباب تلك السمنة هي رغبة الأزواج بالفعل في امتلاء الزوجات والحصول على المرأة العيطل ( الممتلئة المكتنزة شحما ذات الأرداف الكبيرة والجسم الضخم )
في موريتانيا تدخل الفتاة الراغبة في الزواج برنامج تسمين قاس جدا على يد متمرسة قديرة وخبيرة في أغذية السمنة المتشبعة بالنشويات والزيوت والشحوم والبيض وكل الأغذية ذات السعرات الحرارية العالية في عادة وممارسة تدعى عندهم بالتبلاح ومع انتشار الوعي ربما تكون هذه الظاهرة انحسرت قليلا لكن ظهرت مكانها عند الطرف المحافظ على التسمين مشاريع جديدة مثل التسمين بالهرمونات والأبر .
الآن نحن نجني ثمارا عفنة لمثل تلك الأفكار وتلك النظرة وتلك الذائقة أمراضا مزمنة ومعقدة على أولادنا عموما وليس الفتيات منهن خاصة بل اختلال الوزن واضح بين نحافة مفرطة وسمنة كبيرة ، والذي يدلك على هذه هو كثرة إعلانات أجهزة وأدوية وعمليات التخسيس التي صارت تتكسب على هؤلاء الثقلاء ، وغالبها علاجات وأدوية غير حقيقية لا تعود بكثير فائدة على الواقعين في براثن السمنة ، فهي أمور غريبة من مراهم ودهانات وأحزمة وأحيانا شاي وروائح عطرية تقلل من شراهة تناول الأطعمة وغيرها من العلاجات المشكوك فيها .
أمراض السمنة غير متناهية من السكر إلى آلام الركب وآلام الظهر والكلسترول واعتلالات القلب ... حكاية طويلة مرهقة جدا للسمين أو السمينة ولأسرهما وأيضا لميزانية الدولة التي لا زالت ملتزمة بتقديم العلاج المجاني للمواطنين حيث لا يزال مشروع التأمين الصحي على الجميع مثل بيض الصّعو الذي نسمع به ولا نراه ، ولا ندري لو طبّق ما مدى جدواه أيضا !!
(كيت وينسلت) بطلة فلم تايتنك الممثلة البريطانية المشهورة منعت دخول مجلات الأزياء التي تظهر فيها فتيات المودل النحيفات جدا إلى منزلها ، خشية على ابنتيها من التأثر بمناظر أولئك فيجارونهن في استهداف أوزان الريشة فربما تسببن بأضرار عالية جدا لأجسادهن وربما على حياتهن ، هذه الصورة المزعجة كذلك في طرف موضوع السمنة والنحافة حيث ترد على بعض الفتيات الافتتان بالموضة وأزياء الموضة التي لا تتوفر حتى مقاسات منها إلا للأوزان النحيفة للغاية وهو ما لا يتوفر إلا للرشيقات جدا وبالتالي وقعن فريسة برامج التخسيس والحمية الزائدة فتكونت عندنا أشكال من الفتيات ذات مناظر مقززة أشبه ما تكون بمناظر خيال المآته فهي مصفرة ذهبت نضارتها وصفاء لونها وأبدلت شحوبا وذبولا انسحبت به روح الحياة .
فهناك تطرف من نوع آخر وهو تطرف النحافة الزائدة في مقابل السمنة العالية وكأنها ردة الفعل العكسية وهذا مرفوض وغير مقبول لا دينيا ولا صحيا ولا حتى في أعراف وأذواق الشباب فهي بالفعل غير قادرة في بنيتها على تحمل أعمال المنزل ولا أعمال الحمل والولادة والتربية فالتوسط مطلوب وكما قال الأول :
فسامح ولا تستوف حقك كاملا وأبق فلم يستقص قطّ كريم
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم
الثقافة والوعي وانتشار الرياضة وإدخال الرياضة المدرسية في مدارس البنات بما يتفق مع الشريعة الإسلامية وعادات وأعراف البلد سيساعد في تعديل الاتجاه الصحي الإيجابي في المجتمع وربما هناك دور أكبر تلعبه الصحة المدرسية وجهود التثقيف الصحي الذي يفترض أن يقدم بشكل أفضل خاصة وأن الوقاية خير من العلاج وأن ما نوفره من ميزانية التثقيف والتوعية نخسر أضعافه بناء مستشفيات ومصاريف عمليات وأدوية .
سعدت بخبر جوال الصحة الذي أطلق مؤخرا لكن للأسف أنه جوال تجاري بقنواته كلها يقتطع 12 ريالا شهريا من المشتركين فيه حيث لم يُستثن كمشروع توعوي وطني يفترض ألا تزيد التكلفة فيه على المشتركين عن قيمة 4 ريالات حتى لو قلّت الرسائل في عددها في مقابل نشر الوعي ، فقليل دائم خير من كثير منقطع أو لم ينتشر ، أيضا قناة صحة الفضائية ، أيضا هيئة الغذاء والدواء ... ما يعني جهود طيبة مباركة بإذن الله تساهم في تحقيق الوسطية في الأحجام بين البراميل واللّهايات .

السبت، أغسطس 23، 2008

إدارة الأزمات

إدارة الأزمات نشرة في مجلة زوايا تربوية - تصدر عن الإعلام التربوي بالإدارة العامة لتربية وتعليم البنات بالأحساء

إدارة الأزمات

تهتم المنظمات الإدارية في دول العالم المتقدمة بتطبيق منهج علم إدارة الأزمات

في كافة مجالات العمل وذلك حرصاً منها على اتخاذ القرارات بأسلوب علمي

بما يحقق لها رؤية مستقبلية واضحة تعتمد على دقة المعلومات والتخطيط

العلمي السليم لتجاوز الأزمات وحتى تمرر بسلام كافة الصعوبات التي تواجهها.

ولأهمية ذلك الموضوع ينبغي على كل إدارة إعداد فريق خاص لمواجهة

الأزمات حتى يمكن أن تتجنب الكثير منها أو الحد من آثارها السلبية التي

تنتج عن دخولها دون استعداد مناسب لمواجهتها وقد برز علم إدارة الأزمات

كمنهج وفكر إداري حديث يعمل على التعامل مع الأزمات بالأدوات

العلمية والإدارية لتجنب سلبياتها والاستفادة من إيجابيتها فإدارة الأزمة

:هو علم التوازنات ورصد حركة واتجاهات القوى والتكيف مع المتغيرات

المختلفة.

وبالتالي فللأزمات فوائد وسلبيات نستطيع الوقوف عليها من خلال

النظر للجدول الآتي:

السلبيات

الإيجابيات

خسائر

تولد خبرات مكاسب غير متوقعة

مسح شخصيات

بروز شخصيات

شغل الطاقات

تعرف مواطن الخلل

تأخير تحقق الأهداف

اكتشاف قيادات جديدة

اهتزاز الثقة بالمؤسسة

تعجيل التغييرات في الهياكل الإدارية

البحث عن كبش فداء

تحري مواطن الضعف التي قد تنجم

تمديد الأثر إلى خارج المؤسسة

التعرف على المناصرين من الأعداء


وربما نتمثل هنا قول الشاعر:

جزى الله الشدائد كل خير

عرفت بها عدوي من صديقي

والإدارات التي تطبق منهجية إدارة الأزمات سوف تجني الكثير من

الفوائد ومنها:

1- التعامل مع الأزمة من خلال منهج علمي وليس من خلال سياسة الفعل وردة الفعل .

2- توقع وتنبأ بالمستقبل والمخاطر المحيطة .

3- عدم تصعيد الأزمات والحد من خروجها عن السيطرة .

4- رسم سيناريوهات متكاملة لكافة الاحتمالات المتوقعة .

5- تكوين بيئة تلقائية تقوم على الاستجابة السريعة للأحداث المفاجئة والمتسارعة للأزمة.

6- رفع المعنويات خلال فترة الأزمات .

7- العمل على عودة النشاط والحيوية في فترة الأزمات بأسرع وقت ممكن.

8- تحليل الأزمات السابقة والاستفادة منها مستقبلا.

ويمكن أن تكون مهام ذلك الفريق على الصورة الآتية:

1- رصد واكتشاف الأزمات.

2- عمل الدراسات المتنوعة للأزمات المتوقعة .

3- وضع خطط الطوارئ وسيناريوهات الحلول .

4- التعامل مع الإعلام ومده بالمعلومات الصحيحة .

5- تزويد متخذي القرار بالبيانات والمعلومات في الوقت المناسب .

6- التنسيق مع الجهات الخارجية للتدخل السريع مثل أجهزة الأمن والدفاع المدني.

7- تدريب الكوادر البشرية وعقد اللقاءات التي توضح مهام اللجنة .

8- حضور المؤتمرات والندوات ومتابعة الدوريات والمواقع والكتب والإصدارات المتعلقة بهذا الموضوع.

وبسهولة نستطيع بناء هيكلة مبسطة وصغيرة لذلك الفريق أو اللجنة على النحو الآتي:

_ وحدة التخطيط للأزمة _ وحدة التنفيذ والمتابعة

_ وحدة المعلومات _ وحدة للأجهزة والخدمات

_ وحدة الاتصالات مع الأجهزة المعنية

ويجب أن يتحلى المشاركون والأعضاء لذلك الفريق بصفات معينة حتى يحققوا المطلوب منهم ومن ذلك:

_ المهارة والقدرة على التدخل الناجح .

_ رباطة الجأش وهدوء الأعصاب .

- الانتباه والوعي والحرص الشديد عند القيام لتنفيذ المهام الموكلة له.

- الولاء للمؤسسة .

ومن الأشياء التي ينبغي عدم تجاهلها :

- تكامل التخصصات

- اللياقة الجسمية والذهنية

- المرونة والتفاؤل .

- التدريب والتأهيل المستمر والمتميز.

ومن الممكن أن يكون مع ذلك الفريق داعمون من خارجه ومن ذلك على سبيل المثال :

خبير قانوني _ خبير إعلامي _ خبير فني – خبير في التقنيات والاتصالات.

الثلاثاء، أغسطس 12، 2008

تبرعات الأربعة أصفار ... وبيت في الجنة

تبرعات «الأربعة أصفار» ... وبيت في الجنة
عبدالمنعم الحسين الحياة - 12/08/08//

إننا مقبلون على رمضان المبارك، بلغنا الله وإياكم أيامه وتقبل الله طاعتنا مقدّماً، والناس مقبلون على الخير وعلى المشاركة في أعمال البر والتطوع طلباً للأجر، وهذه أحوال النفوس الكريمةالمؤمنة وكل قرائنا كرماء يتوجهون للخير أصالة يبتغون غراس الثواب، بلغهم الله مناهم وما يستحبون آمين، وأصـحاب الخير يتوقون ويتطلعون لهذا الشهر الكريم لكي يقطفوا ثماره اليانعات من شجر الطيبين المتبرعين.
يقول أحمد بن باز في مجلة «الخيرية» في أحد أعدادها: «إن على العاملين في الجهات الخيرية أن ينظروا في مشاريعهم وما يعرضونه وما يتطلعون له من التنفيذ، ويراعوا في عروضهم التغيرات الاقتصادية الحاصلة، ففي ظل موازنة الخير والبركة لهذا العام، وارتفاع حجم السيولة عند الناس ينبغي على أصحاب تلك المشاريع أن يعرضوا مشاريع جديدة كبيرة تتناسب مع مداخيلهم الكبيرة، إقبالاً على الخير حتى يتم استثمار هذه الطفرة التنموية الاقتصادية الحاصلة حالياً بحيث لا تمر هذه الطفرة من دون أن تأخذ الجهات الخيرية نصيبها المستحق منها».
يعجبني طموحه وتعميمه، وهو من العاملين في الجهات الخيرية وبالتحديد مؤسسة ابن باز الخيرية، لكن أود أيضاً أن تكون هناك توعية لعموم الناس بأهمية التطوع والبذل والصدقة والإحسان بطريقة لا تعتمد على مخاطبة العاطفة الدينية والحوافز الأخروية فقط، بل بطريقة خطاب شاملة متجددة علمية تخاطب العقل واللاوعي منه كذلك حتى نستطيع أن نواجه الجفاف المتكون عند البعض، بحيث يكون ممسكاً يتأخر عن تلبية نداءات الإنسانية والواجب، أو يقدم مشاركات لا تليق وحجم موجوداته ومدخراته وحساباته في المصارف، حتى من الجانب الزكوي الواجب شرعاً وليس نفلاً، بل ربما نحتاج إلى توعية اجتماعية من نوع «فتش عن الحوافز»، مثل الشركات الغربية التي تنفق الكثير علي المساعدات والمشاركات الخيرية، فيما نلاحظ التأخر من شركاتنا وتجارنا، فلماذا نجحت حوافزهم في ضخ بلايين الدولارات نحو أعمال الخير، وتتوالى الأخبار عن الشخصيات الغربية التي تقدم تبرعاتها بأرقام التسعة أصفار، بينما لا تزال أرقام التبرعات عندنا تنحصر في خانة الثلاثة والأربعة أصفار، فأين حق الجهات الخيرية من بقية الأصفار؟
يجب أن نعيد النظر في الخطاب والحوافز التي تقدم لتنشيط الحافز على الخير، إذ قال رئيس جهة خيرية خليجية كبرى «إن العمل الخيري في الخليج بأكمله لم يتجاوز البليون دولار سنوياً، وهو رقم مخجل جدا قياساً إلى مداخيل دول الخليج التي تجاوزت أرقامها 500 بليون دولار لهذا العام وحده»، وفي دراسة أخرى اطلعت عليها، ونشرت في مجلة «البيان» للباحث إبراهيم الحيدري، تحدث فيها عن العمل التطوعي في إسرائيل، بيّن فيها أن جزءاً كبيراً منه يأتيها من الخارج ، وكذلك جزء كبير جداً من تطور خدماتنا من الدعم الحكومي، من حيث شراء منتجاته وإتاحة الفرصة للجهات الخيرية لتأجير الخدمات على الدولة، فتكون لها الأولوية، سبحان الله هذا عكس ما هو حاصل عندنا، إذ يُنظر لمنتجات الجهات الخيرية نظرة التقليل من شأنها، فليس من الممكن أن يتم تنفيذ مشاريع حكومية من خلال جهات خيرية، بل إن معظم المشاريع التعاونية تقوم على فكرة تقديم مشاركات خيرية للجهات الحكومية وليس العكس.
ويا لها من لفتة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حين منح وسام الملك عبدالعزيز للمهندس محمد عبداللطيف جميل للمشاريع الخيرية التي نفذها، وهي مشاريع نوعية مختلفة ومستمرة وكبيرة.
بصراحة حكومتنا الرشيدة وولاة أمرنا لم يقصروا في التشجيع والبذل والتكريم، ومثال آخر أيضاً عن جائزة الأمير محمد بن فهد لخدمة أعمال البر ليكرم الشركات ورجال الأعمال الذين يقدمون خدمات وتبرعات للأنشطة التطوعية، لكن أين تكمن علة الضعف الحاصل؟
المشاريع التي تتوجه لها الأموال يجب أن تُراجع أيضاً، فليس من الجيد - مثلاً - أن تتضخم المشاريع الإنشائية الخاصة بالمساجد تحت رغبة المتبرعين والأوصياء للحصول على بيت في الجنة، بينما ينصرفون عن تشجيع البحوث العلمية، وعن دعم الجامعات، والمدارس، والمعاهد والمستشفيات، ودور العجزة، والمشاريع التوعوية التي تؤازر وتساند الحاجات القائمة للمجتمع والأهالي، مثل الحاجات الخدمية من دورات تدريبية ورحلات تربوية ومخيمات دعوية أو ترفيهية، فتلوين المشاركات لتقع في ذلك الموقع هو دور ينبغي أن تقوم به تلك الجهات القائمة على تلك المشاريع من الدعوة والتعريف بها.
انظروا على سبيل المثال للنجاحات التي حصلت أخيراً من تبرعات لكراسي علمية في الجامعات السعودية، ربما كانت الإدارات السابقة ترفض ذلك، لكن وضح الآن أن مجال تبرعات الشراكات مفتوح، فتقع الرعايات والتبني من الموسرين، أيضاً نحتاج إلى أن يفتح باب التقدير الصريح والمقنن لتقدير تلك المشاركات في حساب مصلحة الزكاة، وكذلك حسابات ترسية المشاريع، بحيث يضاف طلب بيان بآخر ستة أشهر عن سجل المشاركات الاجتماعية والإسهامات والتبرعات من واقع الإيصالات والوثائق التي تدل على ذلك.
الغرب غير المسلم نجح بمثل هذه الطرق في أن يضخ أموالاً أكثر للأعمال الخيرية المؤسسية، فلماذا لا ننجح نحن، خصوصاً أن روح العمل الخيري والتشجيع والحث عليه والنخوة العربية وعلوم الدين الحنيف وتمام االكرم والشمائل، كلها تولي هذا الجانب عناية عظيمةوتحث عليه، لأننا نرجو من الله بها الثواب وحسن المآب.

الأحد، أغسطس 03، 2008

ظاهرة الميدز

ظاهرة «الميدز»
عبدالمنعم الحسين جريدة الحياة - 04/08/08//

الميدز ظاهرة من مظاهر «العصرنة» التي بدت لنا بشكل واضح جداً، وأتذكر ونحن صغار أثناء قراءتنا لمجلات الأطفال وتوقعاتهم وأحلامهم لما يكون عليه الحال عام 2000 من أعمال وأجهزة وعلاقات، عشنا، وأمدّ الله لنا في العمر، وشاهدنا كيف تحوّل الإنسان في سنوات الألفينات بل ربما قبلها بقليل، كيف صار إنسان هذا العصر مدججاً بالأجهزة الالكترونية، من الساعة الرقمية في المعصم، ومن جهاز الجوال والمفكرة الالكترونية، وجهاز تحديد المواقع، وجهاز الحاسب المحمول، وأخيراً يقع تحت ناظريك الشباب والأسلاك التي تتدلى من آذانهم، وصولاً لأجهزة تشغيل الملفات الصوتية، أو ما يعرف بـ مشغلات MP3!
هكذا بقدرة قادر أصبح إنسان هذا العصر رقمياً ومحاصراً بالأجهزة والملحقات الالكترونية من خوازن الذاكرة الفلاش «ميموري» وأمثالها كأبسط متعلق تقني يُحمل، ويكون من ضمن كومة الأثقال التي يحملها الإنسان معه في كل مكان في عمله وفي الملعب وفي المسجد وفي قاعة الدرس وغير ذلك!
المصطلح MIds - وسبحان الله - قريب جداً من حروف كلمة مرض نقص المناعة «الأيدز»، لكن هي كلمة عبارة عن اختصار للكلمات الآتية: Mobile Internet Devices وهي أجهزة وملحقات الانترنت المحمولة التي تتزايد وتنمو وتتكاثر مع تزايد الحاجة لها، وتنوع المنتجات وأشكالها ومميزاتها وألوانها والموديلات، بحيث تدخل ضمن السلع الاستهلاكية عالية الطلب والربحية والتجدد، فيصعب حتى على باعتها والمتخصصين الإحاطة بكل مجرياتها ومنتجاتها وطرق استخداماتها والفروقات، فكيف تكون الحال بالنسبة للمستهلك الجديد أو قليل الخبرة؟
وفي الوقت نفسه الإعلانات الصاخبة تحيط بالشباب والصغار، وتعزز من حماسة السباق الحاد لاقتناء هذه الأجهزة والملحات، وأجهزة الفيديو وألعابها وكونها من الموضات وشيء من لوازم الشياكة والأناقة، يستوي فيها الشباب (ذكوراً وإناثاً)، بل حتى الكبار لا يسلمون من هذا السباق، ويقع المستهلك المسكين أو رب الأسرة المحدود الدخل تحت ضغط الطلب الحاد من أفراد الأسرة الذين يطلبون الحصول على هذه المقتنيات ومتابعة موديلاتها الحديثة أولاً بأول، ثم بعد فترة بسيطة تظهر منتجات جديدة وبمميزات أحدث وطلبات من جديد لإقتناء الحديث مجاراة لصرعات العصر!
الآن في ألمانيا صاروا يصطلحون على وصف هذه الحال بأنها «مرض» وليس مصطلحاً علمياً ذا دلالة على هذه المعطيات العصرية، فالشباب مفتونون تماماً بها ويتسابقون لاقتناء الجديد منها، ويتابعون أخبارها والتطويرات والإضافات التي تطرأ عليها، ويتابعون عبر «الانترنت» والصحف مواعيد نزولها بالأسواق والمتاجر المحددة للبيع، فيصطفون طوابير من الصباح الباكر وقبل فتح المتجر لاقتناء الجهاز الفلاني، فقد نقلت لنا شاشات التلفزة والقنوات الإخبارية مناظر الشباب المصطفين على شكل قاطرات، وبعضهم يتعب ويجلس ومعه وجبته وعبوّة الماء في انتظار فتح المتجر ليكون من أوائل الأشخاص الذين يقتنون الجهاز الجديد!
وأصبحت الشركات تلعب على هذا الوتر الحساس وتبيع أكثر وتحقق أرباحها بفضل مثل تلك المنتجات، وعلى سبيل المثال شركة أبل، وهي شركة تنتج حاسبات آلية شبه متعثرة، وفجأة تحولت إلى الأرباح العالية بسبب تحولها لإنتاج المشغلات الصوتية التي لا تزال حتى الآن واسعة الرواج ، ومع ظهور شركات عدة تقدم المنتج نفسه إلا أن «ابل» تستحوذ على أكثر من 80 في المئة من سوق المشغلات الصوتية.
وهذه الشركات صارت تلعب لعبتها التسويقية وتستغل هذا النهم والتفاخر الذي طال شباننا وفتياتنا في التسابق لاقتناء هذه الملحقات، فتقول الإحصاءات والتقديرات إن المستهلك عندنا متوسط تغيير جهاز الهاتف المتحرك ما معدله جهازان سنوياً، وكل جهاز يكون في سعر 1000 ريال كمتوسط سعري، وإلا تصل بعض الأجهزة في أول طرحها للسوق إلى ستة آلاف ريال وتجد من يشتريها، وبعد مدة لا تزيد على تسعة أشهر يتدنى سعر ذلك المنتج إلى 1000 ريال، ما يظهر التلاعب الحاد جداً بهؤلاء الشباب الذين تحولوا إلى صرعى الموضات والمظهرية الزائفة باقتناء هذه المقتنيات العصرية، والحصول على أجهزة بمواصفات متقدمة جداً قد لا تعمل في بيئتنا، وإمكانات مشغلي الشبكات عندنا قد لاتجعلهم يحسنون صيانتها، وربما لا يعرفون استخدام كثير من التطبيقات فيها، ومع ذلك يتسابقون في الحصول عليها ويخسرون فيها سنوياً مخصصات مالية مرهقة بسبب هذه الفورة من التضخم الذي بلغ 12في المئة في أسعار السلع والمنتجات الضرورية من الغذاء والدواء ، وهؤلاء الشباب لا يقدمون أي تنازل في سباق المظهرية الزائفة باقتناء الجديد بلا نهاية، و بغير وضوح أو تحديد حاجات أو تحديد موازنة ولا مناسبة حتى بلغت سوق أجهزة الجوال الجديدة سنوياً بالسعودية إلى ستة ملايين جهاز جديد سنوياً، وبمبيعات تصل إلى ثلاثة بلايين ريال سنوياً، وهو رقم كبير جداً في بلد عدد سكانه في حدود 20 مليون نسمة!
وهناك إهداءات متبادلة لهذه الأجهزة في مناسبات النجاح والأعياد...إلخ، فنحن أولى من ألمانيا في تعديل السلوك الاستهلاكي لمرضى «الميدز»!